mercredi 16 septembre 2015

اعتذار رسمي إلى روبي الموهوبة



اعتذار رسمي إلى روبي الموهوبة




تمر الأيام، و  يزداد يقيني أن الأحكام، المسبقة منها و حتى النهائية، لا قيمة لها....كذلك، و أنا أقترب من منتصف  طريق حياتي، تأكدت أن الإنسان في النهاية تشكيل فريد يدور في فلك التناقضات . و هنا ما أتحدث عنه ليست التناقضات بالمعنى البسيط الساذج، الذي تعلمناه صغاراً : "قوى الخير و قوى الشر"، "الرذيلة و الفضيلة" ....كلا فالمسألة أعمق من ذلك التوصيف بكثير، بل هي لا تمت له البتة بعلاقة.



فالتناقضات نسق فكري و وجودي تختلف حدته من إنسان إلى آخر، و لكنه فينا و لا يغادرنا حتى و إن تصورنا برهةً من الزمن أننا قادرون على أن نفك به الارتباط...هراء و سراب. 

هذه التناقضات تحملنا أحياناً بعيداً، و ترزح بنا في عمق اليم  أحياناً أخرى ...هذه التناقضات تجعلنا في حيرة من أمرنا، نراجع خياراتنا و كذلك...أحكامنا.

دائماً ننسى، ذاكرتنا تفتقد للتواصل، إناء مشروخ تنتفي معه التراكمات...لا مراجعة و لا تراجع، لنبقى سجناءً في قمقم العمى و أحادية التفكير.

لم تكن تعني لي يوماً شيئاً يذكر. صحيح أنها مثيرة و جريئة و لكن ما تقدمه تجاري و تافه...تغني و هي على دراجة ثابتة،  زخات العرق على جسدها تضفي على بشرتها تلك المسحة البرونزية   المثيرة و المغرية...تفاهة. يحسب لها انسجامها مع ثوابتها، فهي تغني "ليه بيداري كده"  و هي "لا تداري". تبلور حكمي فيما يخص "روبي" و إنتهى الأمر...


لم يصادف يوماً أن شاهدت عملاً فنيا  لروبي على الشاشة الكبيرة  أو الصغيرة، و هي التي شاركت سابقاً في ثمانية أفلام سينمائية و مسلسل درامي، ربما لأني كنت سجين قمقم العمى و آحادية التفكير. ثم كان الاكتشاف، و الذهول فالتراجع والمراجعة..."سجن النساء" حررني من سلاسل التقوقع الفكري و ثقافة محاكم التفتيش بالمعنى الواسع للمصطلح.   لقد تقمصت روبي في هذا المسلسل المتميز دور "المعينة المنزلية" التي ترتكب جريمة في منزل مشغلتها...هكذا تصفي حسابها مع القدر بطريقة أخرى...ردة فعل أخيرة و جامحة ضد الإهانة و الاحتقار. يخطئ من يعتبر أن مسألة الصراع الطبقي انتهت و أضحت مسألة تدرس في كتب التاريخ. كلا إنها مسألة في صميم واقع الإنسانية مع تزايد الفروقات الاجتماعية (رأس مال القرن الواحد و العشرين لتوما بكتي) وتطرح بحدة أعتى في مجتمعات العالم الثالث أين يغيب أو يتغيب مفهوم المواطنة. حتى عندما نتحدث عن الفن يتمكن منا جن السياسة...  فلتعذريني روبي فهذا التحبير الصادق أردته لك أنت فقط...أنت فقط

في حقيقة الأمر، تقمصت روبي شخصيتين في "سجن النساء" ؛ الأولى شخصية المعينة المنزلية و الثانية شخصية السجينة. أداؤها كان مذهلاً، روبي لا تتقمص الشخصية بل هي تذوب فيها. قدرة مذهلة على التعبير؛ إنها الموهبة تتحرك، تتموج، تستفحل بها فتجعلها في تداخل رهيب مع الشخصية...    

روبي في سجن النساء حلقت عالياً...

ثم سنحت لي الفرصة مرةً أخرى لأشاهد روبي مؤخراً خلال شهر رمضان الكريم في إعادة بث لمسلسل "بدون ذكر أسماء". شخصية مبسوطة لم تكن سهلة بالمرة. مبسوطة تعيش على الهامش، تخالها إنساناً نصف بدائي : متسخة، تمارس الجنس بإرادتها و بغير إرادتها و ليس لها هدف في الحياة.من خلال مبسوطة، بائعة عقود الفل، جسدت روبي بشكل رائع بنت الشوارع.في الآن نفسه، و رغم كل هذه العوامل الموضوعية التي من شأنها أن تنتزع من الإنسان  إنسانيته؛ نجد لدى مبسوطة وعياً حاداً ومستبطناً بوجودها؛ هذا الوعي جعلها في نهاية المطاف تخط مساراً جديداً لحياتها...نجحت روبي بعلامة كاملة في تجسيد شخصية غير عادية و في إحداث الصدمة، الذهول فالتفاعل لدى المشاهد.

روبي في "بدون ذكر أسماء" مثلت اختراقا غير عادي بالمرة...


هكذا إذاً تمر الأيام، و  يزداد يقيني أن الأحكام، المسبقة منها و حتى النهائية، لا قيمة لها....


"و أَمَّا الأَخبارُ التى بأيدينا الآن، فإنما نتَّبعُ فيها غالبَ الظنَّ، لا العِلْم المحقَّق"

ابن النفيس 


وليد جعفر
مدون





نشر هذا النص كذلك بمجلة تونس الفتاة الإلكترونية



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire