samedi 9 juillet 2016

...في دمقرطة الفساد


 إن تشخيص وضع معين يجب أن لا يتأثر البتة بالعاطفة و ما قد تمليه علينا من خيارات تحليلية. من ناحية أخرى؛ يقتضي المنهج التحليلي أن يكون تعاملنا شاملاً و متعمقاً في البحث عن الأسباب و عن أصل الظواهر. إن استفحال الرشوة و الفساد في المعاملات اليومية بالبلاد التونسية هو دليل قاطع على أزمة الحكم و غياب الدولة. لقد أضحت منظومة الحكم في تونس مخترقة إختراقاً يكاد يكون كلياً من قبل مراكز قوى متعددة  جعلت من القوانين خرقة بالية تمرغها في التراب عصابات المستكرشين الانتهازيين الفاسدين.


كذلك، و إن كان من الواضح للعيان أن حجم الفساد في البلاد التونسية تضخم بشكل مخيف، فإنه لا يجب أن ننسى لحظة واحدة أن بذور هذه الكارثة اليومية زرعت سنوات خلت بمباركة النظام السابق : ثقافة "الغورة" و الطرق البديلة للإستثراء وتطويع القانون لقضاء مصالح أفراد...لقد كان حريٌ بنا أن نفكك منظومة الفساد و نتفكر في آليات نجاحها حتى نؤسس لمرحلة جديدة تكون فيها الدولة قادرة على الأقل على مواجهة أباطرة الفساد بندية و لكن ما نفع الكلام الآن...

إن الدخول في المعارك الحاسمة يقتضي إرادة صادقة و تصميماً صامداً و استعداداً حقيقياً...اليوم و منذ سويعات قدم القاضي أحمد صواب إعتذاراً للشعب التونسي لأن القضاء الذي كان حريٌ به أن يكون في طلائع المتصدين للفساد لم يرتق إلى مستوى اللحظة التاريخية... نعم لم يكتب لنا أن نخوض معركة الفساد...فالأسلحة فاسدة و العزائم منها المحبطة و منها من تحالفت  مع الشيطان...لقد  بقي القضاء سجيناً في بوتقة الحسابات المهنية الضيقة و منطق "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً".

المقال الذي أقدمه لكم اليوم متابعينا الأعزاء، مهم في توصيفه لديناميكية الفساد في تونس اليوم، أين انتصبت دولة جديدة؛ "دولة الصعاليك".  

TERRA NOVA TUNISIE

     -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

دولة الصعاليك





سامي الجلّولي
خبير وباحث في القانون الدولي
 والعلوم السياسة

كان الرئيس السابق بن علي يعرف جميع الصعاليك من مهرّبين ورجال أعمال وهم ليسوا بالعدد الكبير.
 لم يكن يهتمّ بصغار ومتوسّطي رجال الأعمال، بقدر اهتمامه بكبارهم، لإيمانه بأنّ موازين القوى ودائرة النفوذ ليست متعادلة.
 كان لكل صعلوك "كبير" حدودا رسمها النظام لا يمكن له تجاوزها وكانت التنابيه صريحة ومباشرة. كان هؤلاء الصعاليك يرتعدون بمجرّد ذكر "المعلّم غاضب" ويسعون إمّا إلى التواري عن المشهد أو الإسراع إلى تقديم فروض الولاء والطاعة التي كانت تحتكم إلى صيغ الأمر، لا تقبل الاحتجاج أو النقاش، لها طقوسها ونواميسها المعقّدة. كل طقس له ضوابطه وحدوده ولا يمكن بأي حال من الأحوال التراجع أو الخروج من تلك الدائرة.

كان النظام يعرف كيف يمسك الصعاليك من أذنابهم ويجرّهم إليه في مشهد سريالي. لم تكن العلاقة بين السلطة والصعاليك نظيفة أو أخلاقية بل كانت تعتمد وسائل وأساليب في غاية الوقاحة والعنف والفظاعة يعتقد أنّها مناسبة لجنس العمل.

وضع النظام لكلّ صعلوك أو مارق إطارا لا يمكنه الخروج منه أو تعديله. نظاما محدّدا، دقيقا وصارما. عن طريقه يمكن ابتزاز كلّ من يحاول التمرّد على قانون الولاء الأعمى. الظاهر والأكيد أن بن علي لم يجرّهم إلى هذا العمل، بل هم من عشقوا القيام بالأعمال القذرة وولوج مستنقع الرذيلة والإهانة.

كثيرا ما كان هؤلاء الصعاليك مطالبون بصرف جزء هام ممّا غنموه في بعض ميادين الشأن العام. كانوا يدفعون الكثير من المال لترميم مدرسة أو لبناء مستوصف أو لترميم مركز أمن أو لإعانة تلاميذ معوزين ومنهم من كان يدفع منحا قارّة سنوية لفاقدي السند… لم يكن الدّفع حبّا في فعل الخير بل تقرّبا وتذلّلا للسّلطة التي لم تكن تجد حرجا في إصدار الأوامر المذلّة إذا ما تهاون هؤلاء في الدفع.

ما يحسب ربّما لنظام بن علي أنّ الصعاليك فيه معروفون، قليلون، وهو من تركهم يتباهون بصعلكتهم التي يحسبونها نفوذا، جاها وسلطانا. كان بن علي يتعامل مع صعاليك النظام بقسوة وكثيرا ما كانت وسائل الردع مرعبة. لعلّه من المفيد التذكير بأنّ تاريخ بن علي لم يكن يخلو من الصعاليك الذين تجاوزوا الخطوط الحمراء والذين عوقبوا وجرّدوا من مسؤوليّاتهم. لقد آسر لي البعض ممّن عاشروا بن علي عن قرب كيف أنّ الرئيس السابق يمهل بعض المتمرّدين حدّ الانتشاء ثمّ يتلقّون الصفعة القاضية في غفلة منهم. كان يفعلها مع القريب والبعيد.

ميزة بن علي أنه كان يعرف حجم هؤلاء الصعاليك. كان يضع لكل صعلوك حدودا أخلاقية لا يمكن تجاوزها أو الحياد عنها. وبرغم سطوته على هذه الفئة المارقة إلاّ أنّ هذه القسوة كانت مؤطّرة وذكيّة إلى حدّ ما، ولعلّ بعضا من نتائجها كانت تستهدف المواطن البسيط، حيث سعى إلى حمايته قدر الإمكان، رؤيته في ذلك الدّفع نحو الحفاظ على حدّ أدنى من الهدوء والتوازن الاجتماعي، فاستطاع بسياسة التعديل الحفاظ على المقدرة الشرائية للمواطن واستقرار الأسعار واضعا بذلك حدودا لا يمكن إطلاقا تخطّيها.

اليوم، تغيّر الوضع، فبدل صعاليك السّلطة تحوّلنا إلى سلطة الصعاليك وبدل حفنة من الصعاليك أصبح لنا كتائب تعمل خارج كل الضوابط الأخلاقية والقانونية، تشتغل دون هوادة على ابتزاز الدولة والمواطن. لم يعد هؤلاء يشتغلون لحساب نظام كان يعيد توزيع جزء ممّا غنموه على بعض الطبقات والفئات بل تحوّلوا إلى الاشتغال لصالح أنفسهم منضوين في صلب تنظيمات عنقودية، لم تعد تأتمر أو تخضع لسلطة النظام بل هي السلطة وهي النظام. صعاليك يشتغلون في كل شيء ويساومون في كل شيء ويبتزون كل شيء.

صعاليك اليوم، لا يخافون ولا يهابون السلطة، يتعاملون مع الدولة تعامل الندّ للندّ، ينظرون إليها على أساس أنها شريكة في ما يفعلون وهذا ما وسّع من دائرة الفساد وأذن بظهور الخراب. لقد خرجنا من نظام يمرح فيه بضعة صعاليك في غاية الانضباط إلى نظام يحكمه صعاليك دون انضباط، الدولة عندهم غنيمة يتقاسمونها وفق قوانين شركات القطاع الخاص.

3 commentaires:

  1. Très bonne analyse Si Walid, mais comment sortir de cette situation ?, as ton besoin d’un autre dictateur pour gouverner le pays ??? Avec l’état actuel de la classe politique, je perds tout espoir.

    RépondreSupprimer
  2. Très bonne analyse Si Walid, mais comment sortir de cette situation ?, as ton besoin d’un autre dictateur pour gouverner le pays ??? Avec l’état actuel de la classe politique, je perds tout espoir.

    RépondreSupprimer
  3. هؤلاء الصعاليك صار لهم صوت في القصور و منابر في مجالس الأحزاب. لهم فيها آذان تُصغي و جيوب تعوي هل من مزيد!
    لست بطبعي من المتشائمين، و لا مِن مَن يسهُل احباطه، لكني اليوم أرى سنين و ربما عقود من التخبط و الوحشية تشبه إلى حدّ ما تجربة بلدان اوروبا الشرقية بعد سقوط حائط برلين..

    RépondreSupprimer