خاص ـ بعد أن تخلف عن الحضور أمام المحكمة العسكرية بالكاف
نقيب بوحدات التدخل يروي أسرارا تكشف لأول مرة عن مجزرة تالة"
هكذا انزلقت المواجهات إلى إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين ـ عون أطلق الرصاص دون تعليمات وضابط أعلن حظر التجول بالمدينة من تلقاء نفسه ـ خرطوم ماء بلاستيكي تحول إلى مدفع محمول فوق مدرعة! ـ تعرضنا للشتم والتهديد ولكننا تحلينا بضبط النفس ـ مازال الغموض يلف أحداث الثورة بتالة التي سقط أثناءها ستة شهداء وعدد من الجرحى في ظل التناقضات في أقوال واعترافات المتهمين رغم انطلاق المحاكمة التي ستطوي يوم الاثنين القادم جلستها الثالثة، هذه الجلسة من المنتظــر ان يتخلــف عنها عدد من أعوان وضباط وحدات التدخل من بينهم النقيب عياش بن سوسية خوفا من إيداعهم السجن حسب قول عدد منهم.
عياش بن سوسية المتهم بالقتل العمد مع سابقية القصد والذي يرفض حضور"المحاكمة الشعبية"-حسب قوله- خشية إيداعه السجن إلتقته"الصباح" في حديث حصري ومثير عن وقائع"المجزرة" التي جدت بجهة تالة قبل أيام من سقوط النظام السابق والأطراف التي أطلقت النار، وقد أكد في بداية الحديث أن"كل ما سأقوله لكم هو حقيقة ما عشته وما شاهدته في مدينة تالة وأنا مستعد لمكافحة كل شخص يرد إسمه في هذا الحديث حول حقيقة ما قاله أو ما إقترفه من أفعال".
وأضاف:"تلقيت يوم 4 جانفي 2011 تعليمات من قاعة الفوج الجهوي لحفظ النظام بسوسة تقضي بضرورة إصطحاب 30 عونا مجهزين بتجهيز رقم 02 (عصي وقذائف الغاز المسيل للدموع والدروع) وسلاح ناري من نوع"شطاير" والتحول الى مدينة تالة على متن حافلة نقل عمومي تطبيقا لتعليمات العميد يوسف عبد العزيز، فطبقت التعليمات وتحولنا إلى تالة حيث كان وصولنا على الساعة السابعة من مساء نفس اليوم، حيث وجدت في مدخل المدينة وأمام منطقة الحرس الوطني الرائد عادل الفرخ آمر فوج التدخل بالقصرين، وبعد فترة وجيزة من الزمن اتصل بنا على عين المكان الرائد خالد المرزوقي طالبا تمكينه من حضيرة (10 أعوان) قصد مساعدته في مهمته، ثم تلقيت تعليمات من الرائد عادل الفرخ بالتمركز أمام منطقة الحرس الوطني لتأمين القطاع الممتد من مقر المنطقة الى مقر الإدارة الفرعية للتجهيز والإسكان، ولكن في الأثناء هاجمنا المواطنون بواسطة الزجاجات الحارقة والحجارة والأسلحة البيضاء في محاولة منهم للإعتداء على ذواتنا وعلى الممتلكات".
وذكر النقيب عياش بن سوسية ان"عمليات الكر والفر بيننا وبين المتظاهرين تواصلت في اليوم الموالي(5 جانفي 2011) قبل ان أتحول الى مقر مركز الأمن الوطني بتالة لربط الصلة بالعميد يوسف عبد العزيز رفقة باقي الضباط للإطلاع على الوضع العام وعلى الطريقة المتبعة للتصدي لهجمات المتظاهرين الذين أصبحوا يستهدفوننا بصفة مباشرة باستعمال الزجاجات الحارقة والأسلحة البيضاء والحجارة فكانت تعليماته تقضي بضرورة مواصلة التصدي للمتظاهرين بالوسائل التقليدية (القنابل المسيلة للدموع والدروع والعصي) وهو ما حصل فعلا أثناء تصدينا للمتظاهرين الى أن نفذت منا كمية القنابل المسيلة للدموع يوم 6جانفي فقمت بإعلام العميد يوسف عبد العزيز طالبا تزويدنا بكمية منها ولكنه لم يجبني لا بالسلب ولا بالإيجاب.
الهدنة
وأضاف محدثنا: «في الأثناء بلغني عن طريق الأعوان ان العميد يوسف عبد العزيز قد تحادث مع أهالي مدينة تالة مبديا لهم إستعداده لإيصال مطالبهم ونقل مشاغلهم الى المسؤولين على أن يمهلوه يومين، بعد أن ألحوا على ضرورة استقدام وزيرين على الاقل للتخاطب معهما مباشرة وتبليغهما مشاغل ومشاكل أهالي الجهة، وإلا فإن ردة فعلهم ستكون أعنف وأقوى من الأيام السابقة فحصلت شبه هدنة في كامل النهار لتعود المناوشات في الليل وخاصة في ما يعرف بحومة النجارين".
تهديدات
وعن ليلة يوم 8 جانفي قال النقيب عياش بن سوسية: «كلفت في ذلك اليوم بتأمين مقر محكمة الناحية عوضا عن النقيب سامي باباي الذي أسندت له مهمة تأمين مقر المعتمدية، حيث تم تمكيني من سرية تابعة لفوج التدخل بقفصة تعمل تحت إمرة الملازم مهدي الطرابلسي، وقد كان جميع الأعوان مجهزين بالتجهيز رقم 02 (القنابل المسيلة للدموع والدروع والعصي) بإستثناء ناظر الأمن شريف الزيدي الذي كان مجهزا بسلاح شطاير ومخزني ذخيرة، كما وقع تمكيننا من 20 قذيفة غازية.
ومع إقتراب منتصف النهار بدأت علامات الغضب والهيجان واضحة على أغلب أهالي مدينة تالة نظرا لعدم قدوم أي وزير، وهو ما إعتبروه استهزاء بهم، حيث عمد العديد منهم الى التلفظ بعبارات نابية ومنافية للأخلاق الحميدة تجاهنا، كما صرح العديد منهم صراحة:« الليلة حارقينكم قاتلينكم ما باقي فيكم حد".
ليلة رعب
وأضاف محدثنا: «في مساء نفس اليوم بدأ المتظاهرون في الخروج الى وسط المدينة من كل الاتجاهات ومن كل الأزقة في حركة غير معتادة، وكان أغلبهم مسلحين بالأسلحة البيضاء والزجاجات الحارقة إضافة الى الحجارة، كما قام بعضهم بجر براميل تحتوي على الوقود وإضرام النار فيها ودحرجتها في اتجاهنا وأخرج البعض الآخر قوالب إسمنتية من إدارة التجهيز وسكبوا الوقود عليها ودحرجوها كذلك في إتجاهنا، إضافة الى استعمالهم لصهريج كبير الحجم يحتوي على كميات من المحروقات كانوا يدفعونه ببطء مع تقدمهم نحونا بغية إضرام النار فيه والاعتداء علينا فتم التصدي لهم بواسطة الوسائل التقليدية المعمول بها (القنابل المسيلة للدموع والدروع والعصي) إضافة إلى مضخة الماء، إلا أن عمليات الكر والفر تواصلت الى أن نفذت كمية الغاز المسيل للدموع، وفي المقابل تزايد عدد المتظاهرين الى أكثر من 3000 شخص اقتربوا منا بصفة أصبحت تشكل خطرا على حياتنا، فقمت بالاتصال هاتفيا بالرائد خالد المرزوقي الذي أسندت له مهمة التمشيط، قصد مساعدتنا على تفريق المتظاهرين بعد أن تزايد عددهم بشكل ملحوظ ومخيف، وبعد دقائق حل الرائد خالد المرزوقي معززا بأعوان على متن سيارتين إداريتين وتولوا التدخل بإستعمال الغاز المسيل للدموع بكثافة (سرية من إدارة حفظ النظام المركزي) فاختنقت أنا جراء ذلك وتراجعت الى الخلف بحوالي 20 مترا للابتعاد أكثر ما يمكن عن الغاز واسترجاع الأنفاس خاصة وأنني أعاني من مرض ضيق التنفس منذ سنة 1996.
استعمال "الكرتوش" الحي
أثناء ذلك شاهدت الرائد خالد المرزوقي يطلق النار في الهواء بصفة مسترسلة، فتراجع أغلب المتظاهرين الى الخلف» -يتابع محدثنا- "لكن بعدها بلحظات شاهدت ناظر أمن(نحتفظ بهويته ونضعها على ذمة من يطلبها من الجهات المعنية باعتبار عدم ورود اسمه في قائمة المتهمين) التابع لفوج حفظ النظام بقفصة والذي كان متحوزا لسلاح شطاير وجاثما على ركبتيه بصدد إطلاق النار على المتظاهرين في النهج الأيمن المحاذي لمحكمة الناحية، عندها صاح الرائد خالد المرزوقي بأعلى صوته:« شكون قالك إضرب الكرتوش، يزي من الضرب، إشكون قالك أضرب؟» وإثر ذلك توجه بعض الأعوان الى داخل النهج الأيمن المحاذي لمحكمة الناحية وقاموا بجرّ مصابَيْن بالرصاص قصد إسعافهما بعد أن أمر الرائد خالد المرزوقي بضرورة إصطحابهما الى المستشفى قصد تأمين عملية وصولهما إليه بعد أن رفض سائق الإسعاف نقلهما بمفرده فصعد ناظر أمن الذي أطلق النار في سيارة الإسعاف وهو لايزال متحوزا بسلاح شطاير".
واصل النقيب عياش بن سوسية سرده لوقائع أحداث تالة:"وبعد مرور حوالي نصف ساعة من هذه الأحداث، وبعد أن هدأت الأمور نسبيا تحولت الى مقر مركز الأمن الوطني بتالة فشاهدت وسمعت المقدم بوحدات التدخل بشير بالطيبي يتحدث الى بعض الأعوان قائلا لهم:« ريتو هاك الثلاثة من الناس كيفاش ضربتهم ضربة وحدة واحد منهم ضربتو في قلبو...» كما وجدت أغلب الأعوان هناك في حالة إرتباك بعد سماعهم بسقوط قتلى وجرحى بالرصاص في قطاع المعتمدية وقطاع محكمة الناحية، في حين كان العميد يوسف عبد العزيز بمكتبه بالمركز، وبلغ الى علمي في ما بعد عن طريق بعض الأعوان أن المقدم بشير بالطيبي هو من قام بإطلاق النار على المتظاهرين بقطاع المعتمدية، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى رغم أن بعض الأعوان طلبوا منه الامتناع عن ذلك، إلا أنه رفض الاستجابة لطلبهم وصاح في وجه أحد الأعوان قائلا له بالحرف الواحد:« إنت تعرف خير مني، أعطيني إسمك ووين تخدم».