dimanche 12 janvier 2014

حكومة صناعة الإرهاب





 













لم و لن يتغير موقفي من الإسلام السياسي. و لكن الموقف السياسي يجب أن يكون في اتساق مع منظومة المبادئ التي نضعها نصب أعيننا، أو على الأقل يجب أن نكون قادرين على التوقف برهة من الزمن لنتساءل عن مدى ملائمة مواقفنا لمبادئنا التي تمثل كلاً لا يتجزأ.

و تمثل الحالة المصرية منذ أشهر امتحانا متواصلاً لهذه القدرة. يمكن لك، و بكل بساطة، أن ترفض الإمتحان متعللاً بأن الحالة المصرية حالة خاصة و بأن الصراع بين الجيش و الإخوان ليس بالجديد، و هذا التحليل فيه شيء من الصواب و لكنه مبتور و غير كامل. و لكن الشجاعة الفكرية تقتضي مواجهة الإمتحان. 

التكييف الموضوعي لما حصل و يحصل في مصر يجعلنا نتوصل إلى ثلاثة استنتاجات :

1- مرسي أجرم في حق الثورة، في حق الشعب المصري و في حق مصر هذا الكيان العظيم. و الأدلة عديدة و متعددة : إعلان ميلاد دكتاتورية جديدة من خلال الإعلان الدستوري، استهداف استقلالية القضاء (التدخل السافر في تعيين النائب العام)، الصمت المتواطئ على ارتفاع وتيرة الاعتداءات على الأقباط و على ضاهرة نبذ الشيعة التي وصلت إلى حد التنكيل و القتل و أختم (و القائمة طويلة) بتعيين أحد قياديي الجماعة الإسلامية كمحافظ للأقصر و الحال أن هذه الجماعة مسؤولة عن المجزرة التي استهدفت سواحا أجانب و رجال أمن بالموقع الأثري بالأقصر.

2- في الدول الديمقراطية، حصول أمور و وقائع، أقل خطورة من ما ذكرنا، تكون نتيجته استقالة الحكومة إما بضغط شعبي أو من تلقاء نفسها، فما بالك "عندما تحصل في فترة إنتقال ديمقراطي، و بالتالي فإن الحديث عن الشرعية أمراً نسبياً.  كان وجوباً أن يحصل في مصر أمر جلل يوقف نزيف الرداءة و التصلت و الإجرام؛ فكان الإنقلاب العسكري.  نعم ما حصل في مصر هو إنقلاب عسكري، لا شك في ذلك، و من يكيف المسألة بصفة مختلفة، يغادر مربع الموضوعية. ألم يكن بالإمكان أحسن  مما كان ؟  في البداية يبدو أنه لم تكن هناك حلول أخرى متاحة. و لكن هذا الإنطباع العام لا يمنعني من أن أتساءل : ألم يكن بإمكان الحراك الشعبي إن تواصل بنفس الزخم أن يجعل مرسي يغادر بوتقة التعنت و التقوقع ؟ ألم يكن بإمكان الجيش أن يؤجل تدخله إلى لحظة أخرى، لحظة لا خيار تكون كاملة البيان و صامدة أمام الجدل و الجدال ؟ على كل حال كان الإنقلاب و أصبح الجيش على المحك، و الكل يترقب و يتشوف ما ستؤول إليه الأمور.


3- الجيش المصري، و لا أتصور أن السيسي يتحرك خارج إستراتيجية القيادات العليا للجيش، كان أمام مقاربتين : إما اعتماد إستراتيجية المواجهة و القبضة الحديدية مع الإخوان و إما إعتماد خيار المصالحة و التهدئة مع فتح قنوات الحوار مع الشق المتململ داخل الإخوان و إستغلال كأحسن ما يكون المسافة التي اتخذها حزب النور من مجريات الأحداث و هو موقف فيه انسجام مع موقف المملكة العربية السعودية. و اعتماد مزيجٍ من هذين المقاربتين كان وارداً كذلك عملاً بمنهج معاوية إبن أبي سفيان في التعامل مع خصومه. في النهاية تلخصت مقاربة القيادة العسكرية في اعتماد المواجهة الشاملة مع الإخوان. و لعل طريقة التعامل مع اعتصامي رابعة و النهضة أبرز دليل على ذلك. كان على السلطة الحاكمة أن تترك الاعتصام يتآكل شيئاً فشيئاً، أن تجعل مسألة مسك أنصار للإخوان للسلاح بينة و واضحة للرأي العام، و هي مسألة خطيرة جداً و تنخرط في صميم عمل الإخوان منذ بعث التنظيم السري زمن حسن البنا. لو تحلت  القيادة العسكرية بصبر تكتيكي و لو كانت لها قدرة على المناورة لما آلت الأمور إلى حمام دم سقط فيه أبرياء لا ذنب لهم سوى انتصارهم لحركة الإخوان. 

المقال الذي بين يديكم اليوم، "حكومة صناعة الإرهاب"، مهم، و أتقاطع معه في إعتباره أن ما حصل في مصر يجعل من حركة الإخوان ضحية، مستهدفة بالملاحقات...حركة قدمت دم شبابها من أجل حماية الشرعية و المسار الديمقراطي !...ثم فتح باب المواجهة الشاملة على مصراعيه يجعل كل شيء وارد و ممكن من ناحية ردة الفعل، و هذا ما حصل بالفعل فالعمليات الإرهابية الأخيرة اختارت أن تضرب أهدافاً نوعية للحط من معنويات قوات الشرطة و الجيش. أتقاطع كذلك مع الطرح الذي يؤكد على أن الدماء التي سالت سوف تولد حقداً دفيناً و مضمراً يكون فعله مؤجلاً. كذلك لغة التشفي التي اجتاحت وسائل الإعلام المصرية بعد الانقلاب العسكري تجعلنا نتساءل عن حرفية و موضوعية الإعلام المصري (و هنا لا أتحدث عن الحيادية و هي مسألة مغلوطة خاصةً في فترة الإنتقال الديمقراطي).

ما استغربته على مستوى المقال هو عدم التطرق إلى مسألة جوهرية و أساسية : هنالك في مصر من يحمل السلاح خارج أطر الدولة، و هذا السلاح تم استعماله  في المواجهات مع الأمن و الشرطة من قبل بعض أنصار الإخوان، هذا السلاح نفذت به عمليات ارهابية بعد تنحية مرسي، من المؤكد أن هذا السلاح لم يتم إدخاله في اللحظات الأخيرة، بل جرى ترتيب لهذه الأمور في فترة حكم مرسي. عدم التعرض و لو عرضاً لهذا الموضوع يجعلنا نتساءل شيئاً ما عن مدى تكامل و موضوعية الطرح....

أترككم مع مقال "حكومة صناعة الإرهاب" لبلال فضل (جريدة الشروق المصرية)

TERRA NOVA TUNISIE





 حكومة صناعة الإرهاب



ألف مبروك لجماعة الإخوان قرار إعلانها جماعة إرهابية الذى سيعيدها لمكانها المفضل تحت الأرض، حيث ستنعم بلعب دور المضطهد الذى يتآمر عليه الجميع، و«هاردلك» لنظام الثلاثى (عدلى، الببلاوى، السيسى) الذى سيكتب له التاريخ أنه منح جماعة الإخوان قبلة الحياة مرتين فى عام واحد، الأولى عندما ارتكب بحقها أكبر مذبحة فى التاريخ المصرى الحديث لن ينجو من تبعاتها كل من شارك فيها أو بررها أو صمت عليها، والثانية عندما أعاد الجماعة إلى تحت الأرض ليعفيها من دفع أى ضرائب سياسية تدفعها الجماعات البشرية العاملة فوق الأرض، ولا عزاء للشعب المصرى الذى طالب بانتخابات رئاسية مبكرة فأعطوه حكما عسكريا بقشرة مدنية، وطالب بحمايته من الإرهاب فى سيناء فنقلوا الإرهاب إلى داخل النفوس والعقول، ونلتقى جميعا على خير بعد أن يدرك من سيبقى حيا منا أنه لن يستطيع أحد مهما بلغت قوته أن يتخلص من جميع كارهيه ومعارضيه

وحتى يحدث ذلك بعد وقت طال أم قصر، وبعد ضحايا أغلبهم سيكون كالعادة من البسطاء الذين بكوا تعاطفا مع مبارك «عشان زى أبونا» وانتخبوا الإخوان «عشان بتوع ربنا» وفوضوا السيسى «عشان دكر» وفعلوا أى شىء لكى تمشى الدنيا وتدور عجلة الرزق، فلا تستبعدوا حدوث أى شىء، بما فيه أن يخرج عليكم عدلى منصور متقمصا شخصية رامى قشوع فى فيلم (بطل من ورق) وصارخا «ما بيعرفش يوجفها.. ما بيعرفش يوجفها»، خاصة بعد أن ارتكب كومندات التفويض تحت ظل رئاسته المذبحة تلو الأخرى ففشلوا فى تحقيق الاستقرار، ولذلك قرروا أن تكون مبادئ العدالة ضحيتهم الجديدة فى بلد يفترض أن قاضيا يحكمه، ولذلك كان أولى به أن يقول لمرءوسيه إنه من العار أن تصبح الحكومة هى القاضى والجلاد، فتستبق صدور أى نتائج للتحقيق فى جريمة المنصورة الشنعاء، دون حتى أن تلجأ إلى تراث الداخلية الشهير فى تلفيق القضايا لأفراد بعينهم، مفضلة أن تتخذ قرارا يوقع العقاب الجماعى على مئات الآلاف من المصريين دون أن يعتمد على حكم قضائى عادل مبنى على اليقين الراسخ، وليس على الظن الراغب فى مداراة الفشل

بالتأكيد لم تعد مسألة كشف التناقضات وبيع المبادئ مثيرة لاهتمامك، لذلك لا أظنك محتاجا لتذكيرك بمظاهر التنديد التى كانت تتوالى ضد أى عقاب جماعى ينزل بحق مواطنين مسيحيين فى حادثة طائفية، ولا كيف كان المثقفون والإعلاميون يلعنون قادة تيارات الشعارات الإسلامية عندما يبررون تلك الجرائم بأنها «غضب شعبى مشروع»، ولا كيف كانت تتوالى صيحات التحذير من تخلى الدولة عن تطبيق القانون بحكمة حازمة لا تزيد الطين بلة، ولا كيف كان الجميع يعتبرون التراجع عن القرارات الرئاسية فى أيام سيئ الذكر مرسى دليلا على الطيش والتخبط، دون أن يعلق أحدهم الآن على مهزلة أن يصدر قرار بتجميد أموال الجمعية الشرعية وبنك الطعام ثم يتم التراجع عنه بعد يوم دون التفات إلى كل الجمعيات الخيرية التى لا تمتلك إعلاما ينصفها، بالطبع لست محتاجا لأن أذكرك بكل هذا ولا بغيره، فأنت أصبحت تعلم الآن أن مشكلة الكثيرين مع وساخات الإخوان، كانت مع الإخوان وليس مع الوساخة فى حد ذاتها

لذلك لن تستغرب صمت دعاة الحرية فى بلادنا على تصريحات المتحدث الرسمى لوزارة الداخلية التى قال فيها إن قرار الحكومة يمكن أن يوقع عقوبة الإعدام على من يقود مظاهرة إخوانية حتى لو كان سيدة، دون أن يقول له أحد إن تصريحا طائشا كهذا كفيل بصناعة ألف إرهابى، لأنه إذا كانت قيادة مظاهرة ستؤدى بك إلى الإعدام وحدك، فلماذا لا تفجر نفسك لتموت بصحبة حفنة ممن يقبلون أن يتم إعدامك

ولذلك أيضا لن تسألنى هل كان هؤلاء الشجعان سيصمتون على مرسى لو كان قد ظهر على الناس ليقول لهم إنه على «الحق المبين»، أم كانوا سيلقون عليه محاضرات عن عدم احتكار الحقيقة، ولن تطلب منى تفسيرا لحالة الخرس الجماعى التى أصابتهم ومنعتهم من الاعتراض على سعار القمع الذى وصل إلى حد وضع أرقام على شاشات القنوات للإبلاغ عن أعضاء جماعة الإخوان

لن ننشغل بذلك كله قدر انشغالنا بالبحث عن صاحب عقل داخل هذه السلطة لنسأله: هل حقا تتصور أن شابا خرج ليعتصم ضدك فقتلت بعض أصدقائه أمام المنصة ثم قتلت البعض الآخر فى ميدان رابعة، ثم وقفت تتفرج على حالة الاقتتال بينه وبين جيرانه لأشهر وسط تصعيد إعلامى هيستيرى كفيل بإشعال حرب كونية، ثم قررت أن تعلن أنه إرهابى قد يحصل على الإعدام أو المؤبد لو شارك فى مظاهرة، ثم ها أنت تقدمه لقمة سائغة لكل من يكرهه ليبلغ عنه ويحول حياته إلى جحيم، هل تتوقع بعد كل ذلك أن يتوجه لدراسة الرقص الإيقاعى أو أخذ كورسات فلسفة لتحسين قدرته على التفكير، أم أنه حتما سيلعن كل من يحدثه عن العقل والهدوء، ليختار طريق الموت الذى لن يميت إلا غلابة مطحونين مثله، لأنه لن يستطيع الوصول إلى حيث يتمركز كبارات البلد فى أماكنهم المحروسة بأموال الشعب

وحتى يتحقق حلمنا بأن نجد عاقلا فى مراكز القرار يدرك خطورة ما يحدث الآن، سنظل محكومين بحقيقة مخيفة هى: أنه كلما ارتفع صوت مثقف قمعى يطالب بتطبيق سياسة «التنوير بالجزمة» وحشو الحداثة بكعوب البنادق فى أدمغة المضللين، وكلما بارك سياسى «غير مسئول» سياسات العقاب الجماعى، كلما وجدت خلية إرهابية حجة قوية لإقناع «شاب متردد» بأن سلاحه الوحيد فى مواجهة هذا المجتمع الذى يرفضه لن يكون سوى جسده، والمؤسف أن ذلك الشاب عندما يفجر جسده سيختار أسهل الأهداف المكتظة بمقهورين يتصور أنهم شاركوا فى قهره، وعندما تسيل دماء هؤلاء سيستخدمها التنويرى القمعى والسياسى غير المسئول والإعلامى الطائش لتأكيد صحة منهجهم الذى يمنح المزيد من الحجج لأمراء الإرهاب، الذين أثبتت التجارب أنه لا يعمل فى خدمتهم أحد أفضل من المسئولين فاسدى العقل والإعلاميين فاقدى الضمير والمثقفين المسنودين على البيادة

عفوك ورضاك يا رب



بلال فضل



مقال ذي صلة :   كنت أتمنى
  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire