mardi 15 avril 2014

حُكم جماعي بالإعدام












زياد كريشان


!! حُكم جماعي بالإعدام 


أصدرت محكمة الجنايات يوم أمس بمصر حكما يقضي بإعدام 529 متهما من الإخوان المسلمين في أحداث العنف التي جدّت إثر فك اعتصامي رابعة العدَوية والنّهضة... ويذكر أن من بين المحكوم عليهم بالإعدام شخصيات من الصفّ الأوّل في تنظيم الإخوان على غرار مرشدهم العام محمد بديع ورئيس مجلس الشعب السابق سعد الكتاتني... كل ذلك في دقائق معدودات ودون حضور المتهمين ....

لا يعنينا هنا الدخول في تفاصيل القضية وفي طبيعة الاتهامات الموجهة للمظنون فيهم ولكن وأيّا كان موقف المرء من تنظيم الإخوان المسلمين ومن أحداث الصائفة الأخيرة بمصر فإن حكما كهذا لا يُمكن أن يُفهم وأن يُبرّر بأي وجه من الوجوه...

لا يمكن أن يتذرّع أحد بعدم التدخل في شؤون الأخوة المصريين ليصمت عن هذه المجزرة باسم القضاء... أوّلا لأن كلّ الحقوقيين يطالبون، منذ عقود، بإلغاء هذه العقوبة التي لا تنتمي بأي شكل من الأشكال إلى منظومة حقوق الإنسان وثانيا لأن هذه المحاكمة لا تمت لا من قريب ولا من بعيد بصنف المحاكمة العادلة التي تراعى فيها حقوق المظنون فيهم...

حكم الإخوان في مصر كان كارثة بكل المقاييس.. ولا شك في تورط عناصر من التنظيم في أعمال العنف التي أعقبت فض اعتصامي رابعة والنهضة... ولكن أن يقتل حينها عدة مئات من قبل قوات الأمن والجيش وأن يحكم اليوم على أكثر من خمسمائة بالإعدام فذلك مواصلة للمجزرة بطرق قضائية لا غير...

إننا نشاهد أمامنا عملية اجتثاث ممنهجة لجماعة الإخوان في مصر... اجتثاث تحث عليه مجموعات داخلية وبعض دول المنطقة للتخلص النهائي من «الآفة الإخوانية» خاصة بعد تصنيفها كتنظيم إرهابي تماما كالتنظيمات السلفية الجهادية....

هنالك فرق شاسع بين القول بأن التنظيمات الإخوانية – على شاكلتها الحالية – تمثل مخاطر على الديمقراطية وبين المطالبة بإقصائها السياسي وتصفيتها الجسدية...

لقد جرّبت دولنا الحلول الأمنية مع مجموعات الإسلام السياسي وكانت النتيجة دمارا للآلاف وآلاما وسجونا وانقساما في الوحدة الوطنية....

وخلنا، في غمرة الفرحة برحيل النظم الاستبدادية، أنه أضحى بالإمكان تدارك ما كان وبناء عيش مشترك قائم على مبادئ حقوق الإنسان الكونية، لا ديمقراطية من درجة ثالثة بتعلّة احترام «الخصوصيات الثقافية»... لكن اتضح أن قوى عديدة داخل العالم العربي مازالت غير ناضجة لهذه المقتضيات السامية، لا الإسلام السياسي الذي اعتقد – غرورا- بأنّ التاريخ أنصفه فأضحى يخرج لنا من دهاليزه ما أخاف قطاعات واسعة من شعوبنا... لكن الروح الانتقامية – التي لمسناها عند إخوان مصر خاصة – موجودة في أكثر من فضاء وتيار فكري وسياسي... روح سوف تجعلنا نخسر وقتا طويلا ونهدر طاقات شعوبنا في أتون حروب ودمارات لا طائل من ورائها...

ما نحمد الله عليه أن بلادنا بفضل حكمة أبنائها وقادتها قد جُنّبت كارثة الاحتراب الأهلي وهذه الدماء المزهقة.. فكفانا الحرب التي فرضتها علينا الجماعات الجهادية لكي لا ندخل بلادنا في أتون صراع أهلي يأتي على الأخضر واليابس...

نحن محكوم علينا بالعيش معا فوق هذه الأرض لكن وفق قوانين هذا العصر وروحه وفلسفته...

تذكروا عندما ناقش نوابنا بالتأسيسي مسألة إلغاء عقوبة الإعدام من الدستور عندها قام نواب النهضة، وبعض حلفائهم، بصوت واحد: عقوبة الإعدام في القرآن ولا يجوز إلغاؤها... عندما يفهم الإسلاميون أنّ القوانين الوضعية الحديثة المنبثقة من فلسفة حقوق الإنسان هي وحدها الضامنة للحقوق والحريات.. عندها نكون قد أمّنا العيش المشترك بلا رجعة... في انتظار ذلك نتمنى أن تُجنّب مصر كارثة هذه المجزرة القضائية حتى لا تغرق في بحر من الدماء يصعب بعدها الخروج منه لسنين طويلة...



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire