vendredi 10 août 2012

صكوك الغفران بدل الخزي والعار




إن آلة القمع والدعاية والتمويه الضخمة التي ركزها بن علي في بدايات حكمه ثم دعمها وطوّرها على مر السنوات.. ما كان لها ان تستغول كل ذلك الاستغوال، لولا «الرجال» الذين قبلوا مقابل فتات موائده من مال قذر وجاه مزيف أن يخدموا عرشه ونظامه المتخلف

فما كان شخص جاهل عيي مثله بقادر على تركيز مثل تلك الآلة الجهنمية التي طحنت البلاد والعباد لولا «أشباه الرجال» ممن باعوا ضمائرهم للشيطان وقبلوا وضع ايديهم في يده على حساب مصالح وطن وشعب.

ولما قامت الثورة ضد بن علي و«خدمه» كان من اهم استحقاقاتها ان يحاسب هؤلاء جميعا قانونيا، وعلى الاقل اخلاقيا، جزاء خيانتهم للمصالح العليا لوطنهم وشعبهم من اجل اغراض دنيوية زائلة ومصالح خسيسة، الا أنه يبدو وحسب الاتجاه الحالي للأشياء ان ما سيحدث في نهاية المطاف هو العكس تماما.

فها هي صكوك الغفران وقبل ارساء آلية العدالة الانتقالية توزع يمنة ويسرة لمن أكلوا على موائد بن علي ولمن ساهموا مساهمة فعالة ومباشرة لا لبس فيها في الاعتداء على المؤسسات بـ«أجر معلوم» وتدجينها، بل لقد أصبح هناك مؤخرا حديث عن تواطؤ «لايت» مع بن علي، كأن التواطؤ والاجرام درجات فيها ما لا يغفر وفيها ما قد يغفر وفيها ما قد يصبح في يوم قريب... محمودا ومصدر فخر
 
وفي الواقع فان مؤشرات عديدة تواترت منذ انتخابات 23 اكتوبر على السير في هذا الاتجاه الخاطئ من بينها أن مسؤولين سامين في التجمع المنحلّ ومديرين لوسائل اعلامه تم تعيينهم بعد الثورة على رأس مؤسسات اعلامية عمومية ومن بينها ايضا استدعاء بعض رموز نظام بن علي للمشاركة في الاستشارة الوطنية حول الاعلام التي نظمتها الوزارة الاولى
 

إن التشفي والانتقام لم يمثل بعد الثورة مطلبا لأي حزب او حركة او أي طرف آخر، فكفى مغالطة حول هذا الامر

بل كان المطلوب اساسا هو تحميل كل شخص نتيجة اعماله القانونية لا غير، وأن يُلاحق شبح الخزي والعار  كل من باعوا ضمائرهم، لا أن يمنحوا بسهولة صكوك غفران وأن إعادة هؤلاء الواحد تلو الآخر الى الواجهة سيمثــّل في نهاية المطاف اعترافا بفضل بن علي على العباد والبلاد وصك غفران له، بما أنه على الاقل كان يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وبما أنه كان يستعين في حكمه بعدد لايستهان به من الرجال النظاف


كما تجدر الاشارة أيضا الى أن الشرعية الانتخابية الحالية تنسحب على تحرير الدستور وتصريف شؤون البلاد والإعداد للانتخابات القادمة ولا شيء غير ذلك، أي أنها لا تمنح الماسكين بالسلطة حاليا أية شرعية في اتخاذ القرارات الكبرى التي تهم مستقبل البلاد، كما لا تمنحهم كلما تعلق الأمر بحقوق الآخرين، أية أهلية قانونية أو أخلاقية لتولي دور العدالة الانتقالية وللوقوف موقف الحكم والقاضي لتوزيع صكوك الغفران والبراءة على من تصطفيهم، وحسب حسابات فئوية أو انتخابية أو غيرها، خصوصا وأن الشعب هو الذي لفظ بن علي و«شلته» وأخرجهما من الباب، ومن غير المقبول إطلاقا أن تعيدهما من النافذة أول حكومة منتخبة ديمقراطيا.


«الصباح»

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire