كماعودناكم، نطل عليكم هذه المرة بمساهمة قيمة، جادة و مثيرة
في نفس الوقت تتعلق بوزارة الداخلية. و إن كان موقع TERRA NOVA TUNISIE لا
يمكن أن يؤكد ما ورد في هذا المقال (الذي سنقدمه على 3 أجزاء)، خاصة في ما
يتعلق بتهم التعذيب والإختلاس، التي يبقى للقضاء كلمة الفصل فيها (رغم أن
كل الدلائل تشير إلى أن السلطة التنفيذية تسعى قدر المستطاع إلى التأخير في
الإصلاح بل و إلى عرقلته)، فإن جملة من المعطيات المتعلقة بهيكلة وزارة
الداخلية و نظم عملها (و هي معطيات وصفية تحليلية تتوفر عن أي جهاز أمن في
العالم) تبدو في تقاطع مع معلومات أخرى.
كذلك
يجب على القارئ أن يأخذ بعين الإعتبار الإنتماء السياسي لكاتب المقال، ولو
أن الطرح والتعاطي فيهما نسبة لا بأس بها من التجرد و النقد الذاتي
الجزء الأول : الادارة العامة للمصالح المختصة
تعتبر وزارة الداخلية ركيزة
أساسية في كل دولة لفرض الأمن والاستقرار في البلاد وتكون هياكلها مجندة لاحترام
القانون والعمل في اطاره لتحقيق ذلك ، غير أنه في الدول العربية اعتبرت
وزارة الداخلية اليد الخفية التي يستعملها الحكام لفرض سيطرتهم المطلقة على كل
المؤسسات وهو ما أدى إلى ارساء نظام دكتاتوري بها.
ولم تشذ تونس عن القاعدة كغيرها
من الدول العربية فقد بادر الزعيم الحبيب بورقيبة بعد تسلمه مقاليد الحكم إلى
تقوية أجهزة وزارة الداخلية مما زاد في طغيان كل من قلد الوزارة في عهده فقد صرح
لي المرحوم محمد مزالي الوزير الأول الأسبق في حديث ودي بيننا سنة 2009 على اثر
زيارتي له ابان عودته من المهجر أنه انتابه احساس بأنه الحاكم الفعلي لتونس لما
قلد وزارة الداخلية ، وعلى اثر الانقلاب الطبي الذي قام به زين العابدين بن علي
لتولي رئاسة الجمهورية حمل المشعل على الزعيم الراحل وسار على نفس الدرب.
ولما باشر زين العابدين بن علي
مقاليد الحكم في سنة 1987 أعاد تنظيم مصالح الأمن وخلق إدارة عامة جديدة مستقلة
ومرطبة به مباشرة وهي الإدارة العامة للمصالح المختصة مهمتها الأمن السياسي
وأعطاها صلوحيات و امكانيات أكثر من الإدارة الأم أي الإدارة العامة للأمن الوطني
وأصبحت هذه الأخيرة الإدارة الفاعلة في مقاليد الحكم طيلة 23 سنة من حكم بن علي.
وهنا لابد من توضيح عمل وزارة
الداخلية فقد سبق أن قمت بكتابة مقالة عن أجهزة الوزارة وأوضحت باسهاب عملها لكن
سأخص بالذكر أهم ادارتين بها
أولا : الإدارة الأولى : الإدارة العامة للمصالح المختصة ومن أشهر مديريها الشاذلي
الحامي وهو محمد علي محجوب -1984- ومحمد علي القنزوعي سنة 1990 وتشرف على مجمع
ادارات وجلها مهتمة بأمن الدولة وهي :
1)
إدارة الاستعلامات العامة وهي عبارة عن مجموعة فرق مهمتها استراق المعلومة وهذه
الإدارة عرفت جولات وجولات وتعالى صوتها ابان فترة محنة الاسلاميين سنة 1991 وجل
الذين تقلدوا مسؤوليات فيها أمثال مديرها العام حسن عبيد ومدير ادارته الفرعية
محمد الناصر شهر "حراص" وتوفيق الديماسي وسامي جاء وحدو عرفوا
بقمعهم ووحشيتهم وأمعنوا في خلق وسائل التعذيب والممارسات اللاانسانية ضد
الاسلاميين.
وقد سجل في عهد حسن عبيد أكبر
عدد من الشهداء تجاوز 16شهيدا وبلغ عدد الايقافات أكثر من 56 ألف موقوف من أنصار
حركة النهضة وهو أكبر رقم شهدته الإدارة منذ الإستقلال
أما توفيق الديماسي الذي التحق بالوزارة سنة 1988
وعين بجهاز الاستعلامات
في سنة 2003 وهو محسوب من أعوان كمال اللطيف وعمل أيضا لفائدة سليم شيبوب ضد
الطرابلسية وعرف بممارساته القمعية ضد الإسلاميين.
وسامي جاء وحدو المدير المركزي للإستعلامات قبل الثورة وتقلد العديد من المناصب واشتهر بعدائه للإسلاميين
وتسلق من محافظ شرطة بسيط إلى مدير مركزي وذلك بربط علاقات مكنته من أن يكون خادما
مطيعا في يد ليلى بن علي هذا مع الإشارة أنه كان يتحصل على منحة جامعية عندما كان
طالبا وعائلته محدودة الدخل ووالده عامل بسيط في البريد ومكنه التسلق إلى نظام بن
علي من امتلاك العديد من الأملاك واشتهر في فترة ادارته لإدارة الاستعلامات بتلفيق
وفبركة التهم لمعارضي بن علي وكان مرشدا للأمن عندما كان طالبا في كلية الشريعة
وأصول الدين وبعد الثورة أصبح مرشدا لدى قيادة حركة النهضة ويتردد على قياداتها
باستمرار.
2)
إدارة الحدود والأجانب وهي مختصة في مراقبة حركة الطيران ومراقبة المسافرين
القادمين أو المغادرين من البلاد وتطبيق القرارات الخاصة بمنع منح جوازات السفر
للمعارضين.
3)
إدارة الأرشيف والوثائق وتشرف على تخزين الأرشيف السياسي للمعارضين وخزن كل
الملفات المتعلقة بأمن الدولة.
4)
ادارة المصالح الفنية وتتكون من عدة مصالح أهمها :
-
مصلحة مختصة في الجوسسة ومقاومة الجوسسة
-
مصلحة التنصت على المكالمات
-
مصلحة الدراسات
ومن أشهر مديريها منصف بن قبيلة
والشاذلي الساحلي
5)
إدارة مقاومة الإرهاب
وقد أحدثت في بداية سنة 2007 إثر أحداث سليمان
وهي مهتمة بملف السلفيين بمختلف اتجاهاتهم ولها هيكلة عامة على مستوى كامل
الجمهورية ولها مكاتب بكافة مناطق الشرطة المتواجدة بالجهات.
6)
إدارة أمن الدولة
وهي من أهم الإدارات حيث تتجمع لديها كل المعلومات المتحصل عليها من
كل المراكز الأمنية والمقرات العامة للأمن والإدارات الراجعة بالنظر للإدارة
العامة للمصالح المختصة وقد تداول على ادارتها العديد
من المدراء نذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر منصف بن قبيلة (1987) وعزالدين
جنيح (1991).
ولهذه الإدارة مصالح عديدة وهي
:
-
مصلحة الشؤون الفلسطينية
-
مصلحة الشؤون الليبية
-
مصلحة مقاومة التطرف الديني
(متابعة الحركات الإسلامية)
-
مصلحة متابعة الطلبة بمختلف توجهاتهم السياسية عدى
الإسلاميين منهم لإختصاص مصلحة مقاومة التطرف الدين بملفاتهم
-
مصلحة الشؤون الجزائرية
-
مصلحة شؤون الحركات القومية والبعثية والشؤون العراقية
والسورية
-
مصلحة شؤون الأجانب بجميع جنسياتهم
-
إدارة فرعية لمقاومة الإرهاب
.
وبإدارة أمن الدولة كان النظام صارما بخصوص تنقل
الموظفين التابعين لها من مكتب إلى آخر وكانت تتكون من عدة مصالح كما هو مبين
سابقا ولكل واحدة منها مجال اختصاص ولا توجد علاقة مباشرة للمصالح فيما بينها إذ
يتسم عمل كل واحدة منها بالسرية المطلقة ولا ينسق رئيس كل مصلحة إلا مع المدير.
7)
إدارة الأمن الخارجي
وهي مهتمة أساسا بالمراقبة والجوسسة على
التونسيين المقيمين بالخارج وخاصة المعارضين منهم والإشراف على الملحقين الأمنيين
بالسفارات التونسية بالخارج وجل أفرادها كانوا يعملون بالإدارات السياسية ممن
اشتهروا ببطشهم بالإسلاميين والمعارضين وكمكافأة لهم يتم تعيينهم بإدارة الأمن
الخارجي ومن أبرز الأسماء التي تولت منصب مدير عام بها في عهد بن علي نبيل عبيد
الذي قلد العديد من المهام قبل ذلك ، فقد كان رئيس فرقة بالإدارة الفرعية للأبحاث
الخاصة بإدارة الاستعلامات تحت إشراف محمد الناصر واشتهر حينها باستعماله لأشد
وسائل التعذيب وحشية ثم ولي مديرا لإدارة أمن الدولة. وأثناء مباشرة هذا الأخير
مهامه كمدير عام لإدارة الأمن الخارجي تم ايقافه وسجنه في سنة 2001 بتهمة الخيانة
العظمى والتعامل مع العدو بعد ثبوت تورطه واستلامه لرشوة قيمتها 200 ألف دينار في
عملية الغريبة بجربة كما تورط أيضا في قضية اختفاء السجين السياسي المطماطي لما
كان ريسا لمنطقة الشرطة بقابس وتم الإفراج عنه قبل المحاكمة بتدخلات أمريكية عين
على إثرها ملحقا بسفارة تونس باليمن ثم عمل مستشارا لدى أجهزة الاستخبارات
الأمريكية فيما يسمى بمكافحة الإرهاب.
وجل هذه الإدارات تخضع مباشرة
لرئيس الدولة واتصاله مباشرة بهم ويعرفهم معرفة وثيقة ويتم تعيينهم لولاءهم التام
له.
وجريان
العمل صلب الإدارة العامة للمصالح المختصة كان يقتضي ألا تتجاوز أي إدارة تابعة
لها صلاحياتها لمجرد حتى الإطلاع على الأعمال الراجعة بالنظر لأي من الإدارات
الأخرى التابعة لها.
بقلم نبيل الرباعي
ناشط سياسي سجين سابق في العهدين
يتبع - في الجزء الثاني "الإدارة العامة للأمن العمومي"
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire