jeudi 27 mars 2014

قراءة في واقع الجبهة الشعبيّة من الداخل


في الفترة الأخيرة تعالت عدة أصوات من داخل الجبهة و من مقربيها ( الأصدقاء و المتعاطفون) تتسائل في حيرة عن واقع و آفاق الجبهة. أين الهياكل ؟ أين البرامج ؟  أين الإنفتاح على الطاقات الوطنية ؟ أين منهجية التواصل ؟



ثم بعض المواقف و الخرجات الإعلامية أصبحت غير مفهومة و لا تبعث على الإطمئنان فيما يخص مستقبل الجبهة.

فمن منجي الرحوي الذي أصبح إنبهاره بحزب "نداء تونس" يكاد يرتقي إلى مرتبة الهذيان، إلى فريق الخبراء الاقتصاديين الذي أعد مشروع ميزانية بديلة لسنة 2014 (يعني قابلة للتنفيذ) بالإعتماد على فرضية أساسية، تتمثل في تعليق سداد الديون الخارجية، على أساس أن القلم الأحمر كفيل بفسخ عبئ المديونية لسنة 2014 ، أصبحت الاعتباطية و الضبابية إلى جانب عدم التناسق و التنسيق من مميزات ما يصدر عن وجوه الصف الأول للجبهة الشعبية. 


في هذا المقال، مصطفى القلاعي يقدم لنا قراءة في واقع  الجبهة الشعبية من الداخل، و يطرح الأسئلة الحارقة
 
TERRA NOVA TUNISIE









بقلم مصطفى القلعي

كاتب وباحث سياسيّ


قراءة في واقع الجبهة الشعبيّة من الداخل


لم يعد هناك مبرّر مقنع لاستمرار تعطّل بناء الجبهة الشعبيّة. لا شيء الآن غير فحص النوايا والسّرائر. الجبهة تدخل سنتها الثانية بمفارقة غريبة؛ امتداد في الشارع وتأثير في الشّأن العام يقابلهما جمود هيكليّ وتنظيميّ! هذا الوضع المتعثّر سياسيّا وتنظيميّا يؤلم الجبهويّين ويشعرهم بالتحسّر على إهدار نضالاتهم هباء. كيف تسمح قيادة الجبهة الشعبيّة لنفسها بألاّ تتقدّم بالجبهة؟ ماذا تقود، إذن؟ وما معنى القيادة؟ كلّ الأحزاب تتقدّم في تنظّمها وهيكلتها ودمقرطة تسييرها إلاّ الجبهة الشعبيّة. الكثير من الأحزاب الصغيرة بدأ يشعّ ويأخذ مكانه في السّاحة السياسيّة فيما الجبهة الشعبيّة تخبو. الأحزاب التي خرجت من الحكم لم تضيّع دقيقة واحدة وعادت إلى العمل الحزبيّ السياسيّ بين قواعدها فيما الجبهة الشعبيّة مستكينة لوضعها المعطّل ولم تتزحزح خطوة إلى الأمام. لماذا؟ لماذا؟

عرفت الجبهة ارتباكات سياسيّة ناتجة أساسا عن غياب مؤسّسات القرار داخلها، يمكن أن أشير إلى اثنين منها متّصلين بالحوار الوطنيّ ونتائجه. الأوّل في علاقة بشخص رئيس الحكومة الذي أفرزه الحوار الوطنيّ الذي كانت الجبهة الشعبيّة من بُناته. لم يكن من الصّواب أن تعلن الجبهة أنّ الاتّفاق على شخص رئيس الحكومة كان أثناء فسحة الغداء، وأنّ في الأمر أمرا مبيّتا بليلٍ وإن كان فيما تقول صدقا ووجاهة

طيّب؛ من بيَّتَه؟ اتّحاد الشغل وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان؟ ولصالح مَن؟ لصالح النّهضة والمؤتمر؟ أليست هذه المنظّمات هي من تثق فيها الجبهة ومن سلّمتها أمر قيادة الحوار الوطنيّ بمشاركة اتّحاد الصناعة والتجارة لسحب السّلطة من الترويكا الفاشلة؟ ألم يكن تغيير الحكومة بذلك الشكل المدنيّ الرّاقي نصرا عظيما؟ لماذا حوّلته الجبهة إلى خيبة وانكسار؟ لم تقرأ الجبهة واقع النّاس الذي ملّوا وكلّوا ولم يكونوا مستعدّين لقبول موقف كذاك الذي اتّخذته الجبهة. لقد كان ذلك ارتباكا كبيرا سقطت فيه كلّ قيادات الجبهة الشعبيّة وعبّرت عنه لوسائل الإعلام. لم يكن ذلك جيّدا إعلاميّا وسياسيّا. لقد بدت الجبهة كمن يخوض مقابلة رياضيّة ويرفض نتيجتها التي أقرّها الحكم فقط لأنّه لم ينتصر. ولكن أين الانتصار؟ الانتصار في التوافق على شخص محمد النّاصر أو مصطفى الفيلالي أو مصطفى كمال النّابلي، مثلا؟
لو تمّ التوافق على محمد النّاصر أو لو قبل مصطفى الفيلالي ترشيحه أكانت الجبهة ستعدّ ذلك انتصارا تشرب نخبه؟ طيّب، محمد النّاصر لم يكن مستقلاّ. ألم تكن الجبهة تعرف ذلك؟ الرجل بدأ حياته رئيس شعبة دستوريّة. واشتغل وزيرا عند بورقيبة ومسؤولا كبيرا في ديبلوماسيّة بن علي ووزيرا عند محمد الغنوشي وقايد السبسي، فما علاقته بالجبهة؟ لم يكن يساريّا ولا يمينيّا. كان دستوريّا تجمّعيّا. صحيح أنّ الجبهة لم ترشّحه. ولكنّها دعمت ترشيحه بشدّة

الحوار الوطنيّ اختار مهدي جمعة. كان على الجبهة أن تتروّى وأن تقبل نتيجة ما شاركت فيه. هذه مسألة مبدئيّة. ولم يكن بقيّة المترشّحين أفضل ممّن وقع الاتّفاق على شخصه. بالله، كيف يُعقَل أن تخوض الجبهة نضالا مُرّا طيلة أشهر من أجل تغيير الحكومة، وحين يتمّ لها ما أرادت تقدّم الفوز للنّهضة مجّانا. فيخرج رئيسها مهنّئا رئيس الحكومة الجديد معلنا عن مساندته فيما تخرج الجبهة محتجّة معبّرة عن رفضها لما ناضلت من أجله؟ يعني واحد خارج من السّلطة مطرودا يحوّل طرده إلى احتفال وفوز وواحد يحصد ثمار نضاله فيدير ظهره لفوزه! ملاّ عجب هذا

النموذج الثاني للارتباك ناتج عن الأوّل؛ أعني المصادقة على حكومة مهدي جمعة. فحركة النهضة تصوّت بأغلبيّة ساحقة للحكومة الجديدة. فيما الجبهة الشعبيّة لم تتمكّن حتى من إقناع أقرب حلفائها بموقفها المتحفّظ أو الرّافض للحكومة الجديدة. طيّب، لماذا تصرّ الجبهة على موقف خاسر باعتبار أنّ التصويت كان سيكون لصالح الحكومة، كما عبّر عن ذلك منجي الرّحوي في مداخلته؟ لتسجيل موقف بدعوى الانحياز للجماهير ولتثبيت الضغط على الحكومة الجديدة؟ أيّ ضغط تتحدّث عنه الجبهة!؟ رئيس الحكومة غير متحزّب. ولم يمارس السياسة. ولم يطلب المنصب وإنّما جاءته رئاسة الحكومة تجرّر أذيالها. يعني لو فشل فلن يكون عليه حرج. ولو نجح لن تكسب الجبهة
.
هذا الارتباك السياسيّ والارتجال في المواقف سببه الأساسيّ غياب المؤسّسات المنتخبة في الجبهة الشعبيّة. الجبهة الشعبيّة غطاء  أجوف الآن. هذه هي الحقيقة للأسف. وليس ذلك بإرادة مناضليها الأفذاذ المنتشرين في كلّ السّاحات والقطاعات. بل بإرادة قياداتها الذين هم قيادات في أحزابهم أيضا. مجلس أمناء الجبهة الشعبيّة كالغربال تماما اليوم يُفرغ أكثر ممّا يملأ. ولا يوجد فيه ممثّل واحد عن المستقلّين بعد مغادرة محمد الفتاتي الذي أنهكه اليأس من تغيير واقع الجبهة. المستقلّون في الجبهة صحّ فيهم المثل الشعبيّ التونسيّ « كيف لحمة الكرومة مشتهيّة ومتّاكلة ومذمومة ». كان يفترض أن يكون مجلس أمناء الجبهة قيادة مرحليّة للعبور نحو القيادة الدائمة المنتخبة، أعني نحو اللجنة المركزيّة والمجلس الوطنيّ. ولكنّ مجلس الأمناء مازال باقيا بصيغته الأولى بعد سنة ونصف من إعلان تأسيس الجبهة الشعبيّة، وهو ليس منتخبا طبعا
بعد ندوة سوسة، في غرّة جوان الماضي، لم تتزحزح الجبهة خطوة نحو الأمام، اللهمّ إلاّ تشكيل المكتب التنفيذيّ بنفس آليّات تشكيل مجلس الأمناء. لماذا؟ التبرير كان جاهزا دائما، يقولون: « نحن الآن منشغلون باعتصام الرحيل، والباقي ليس وقته ». طيّب، يا سادة، انتهى اعتصام الرحيل. وغادرت حكومة الترويكا. وأحيينا ذكرى اغتيال الشهيد الأوّل. فأين الانخراطات؟ متى ستنظّمون المؤتمرات الجهويّة؟ متى ستبنون دوائر الجبهة؟ متى سيعقد المجلس الوطنيّ للجبهة الشعبيّة الذي سيعلن الجبهة حزبا يساريّا وسيشكّل لجنتها المركزيّة؟ متى يا قادة الجبهة؟ متى يا رفيقنا النّاطق الرسميّ؟ أم سنشرع منذ الآن في الإعداد لإحياء ذكرى شهيدنا الثاني؟ أم ننتظر لعلّنا نقدّم شهيدا آخر فننشغل بأمره؟

لماذا نستقي أخبار الجبهة من وسائل الإعلام؟ لماذا ننتظر ظهور حمّه الهمّامي أو زياد لخضر أو أحمد الصدّيق أو منجي الرحوي في وسيلة إعلام لنعرف برامج الجبهة وبياناتها؟ لأنّنا لا نملك دائرة إعلام. ولأنّ التنسيقيّات الجهويّة مشلولة بالكامل. وكيف لا تكون مشلولة ولم يكن لها رأي في اتّخاذ القرار. لقد كانت القرارات اجتهادات شخصيّة من قادة الجبهة. ولم تكن تلك ممارسة ديمقراطيّة

أيّها السّادة قادة الأحزاب المشكّلة للجبهة الشعبيّة.. الجبهة الشعبيّة أمرها بأيديكم. ولن نغفر لكم ما ترتكبونه في حقّها. لسنا تبّعا ورعايا لكم. ولن نسمح لكم بصفر فاصل آخر. نحن مناضلون واعون مسؤولون مسكونون بحبّ الوطن. نحن نعبّر عن حبّنا للوطن واستعدادنا لخدمته وفدائه عبر مشروع الجبهة الشعبيّة. واعلموا فقط أنّكم تخونون شهداءنا بتعطيلكم لمشروع الجبهة الشعبيّة 
 
هذا النصّ حافزه الصّدق والوفاء، وهو خارج دائرة المزايدة، بل هو اختبار للنوايا. ولن يكون الأخير

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire