dimanche 2 mars 2014

في الجزء الثاني من حوار محمد حسنين هيكل : التشخيص، النوايا و الصعوبات



قام الصحفي القدير، محمد عبد الهادي علاّم، رئيس تحرير صحيفة الأهرام، بإجراء حوار ثري و متميز مع محمد حسنين هيكل، في جزئين. و نظراً لتطرق هذا الحوار لعدة محاور و للمنهج التحليلي المتميز الذي يختص به محمد حسنين هيكل، فإننا ارتأينا في مدونة  TERRA NOVA TUNISIE أن ننشره في أربعة أجزاء.

نتمنى أن نكون وفقنا في هذا الخيار

TERRA NOVA TUNISIE


" نحن بعد 25 يناير 2011  واجهنا واقعا أسوأ بكثير مما نتصور"

" الغطاء انكشف عن فداحة ما جرى قبل 25 يناير فقد ظهر أن مصر أصبحت بلدا يعيش على الدين الداخلي الذي راح يزحف إلى الخط الأحمر عند رقم تريليون جنيه  ودين خارجي قارب الأربعين مليار دولار،لكن الحقائق كانت تائهة غائبة في الأوهام، أو ألعاب خداع النظر" 
 
 
 المجلس العسكري لم يكن مؤهلا للحكم، ولم يكن يرغب أن يشاركه في السلطة طرف آخر، لأنه من ناحية لا يعرف الأطراف ولا يعرف الوزن الحقيقي لكل منهم، ثم إن ما رآه معهم دفعه إلى الشك في الجميع




 "هل تقدر يد تمتد من المؤسسة العسكرية أن تمهِّد لانتقال ديمقراطي تصل به "حالة الثورة" إلى مسارات أمل. كيف؟ . . وبمقتضى أي شروط؟"

" وتخبَّط حكم الإخوان بين ادعاء الدين وتطويع الدولة، وبين الإمساك بمفاتيح الحكم، وبين مصالح الناس - وبين مطالب المجتمع وأوهام الجماعة - وبين القوى السياسية الدولية والإقليمية"


  وينزل بنا الأستاذ محمد حسنين هيكل في الحلقة الثانية من حواره  من سماء الأفكار والرؤى إلى أرض الواقع وتضاريس الطريق والأسئلة. 
قدمت إليه عرض حال البلد الذي طالما تحدث عنه، وطرح حلولا منذ سنوات قلبت عليه المواجع . مثل مجلس أمناء الدولة والدستور

ماذا كان تحت السطح قبل انكشاف الغطاء في 25 يناير، وهل نجح المجلس الأعلى للقوات المسلحة في انتقال سلمي وهادئ للشرعية، وكيف تحولت الساحة العامة قبل وبعد 30 يونيو إلى خلاء ومهدت لوصول الإخوان . وكيف يفسر الأستاذ عبارته التي أطلقها قبل شهورعن عبد الفتاح السيسي أنه الرئيس الضرورة، وكيف يمكن للرئيس القادم تجميع طاقات الأمة وشتات التيارات حتى تكون قوى الشعب حاضرة وقت الضرورة، وما هي مستويات الرئيس القادم . وكيف يرى التقارب المصري الروسي في تلك المرحة الدقيقة وانعكاساته على علاقات القاهرة وواشنطن . . وإلى الحوار:

 أستاذ هيكل، في نقاشنا السابق قلت دعنا ننزل من سماء الأفكار إلى تضاريس الأرض . . تضاريس السياسة في مصر هذه اللحظة . . في رأيكم، ما هي القراءة المبتسرة للمشهد التي تقودنا إلى تلك الدوائر المفرغة أو المضطربة وتبعدنا عن التقدير السليم للواقع؟

-
دعنا نحاول استرجاع عناصر الموقف كما تطور حتى الآن على أرض الواقع، حتى وإن تورطنا في محظور التكرار بعض الشيء  لعله ينفع في التأكيد :

أولا: نحن بعد 25 يناير 2011 واجهنا واقعا أسوأ بكثير مما نتصور، لأن الأزمة التي أمسكت
بخناق "مصر" كانت مثل عائمات الجليد، القليل منها ظاهر فوق السطح، والكثير غاطس تحت الماء . وما كان فوق السطح ودعا كل قوى هذا البلد إلى الرفض والغضب والثورة - كان في حدود ما استطعنا أن نراه من أسباب القصور في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومن ظواهر الفساد المالي والسياسي، ومن تآكل هيبة مصر في محيطها العربي وفي عالم الدول، حتى زادت فوق ذلك مهزلة التوريث التي كانت حائرة بين عاملين لدى مبارك:

- أولاً: هو يميل للتوريث ربما ليغطي على ما جرى في فترة
رئاسته .

- وثانياً: هو لا يميل للتوريث، لأنه يشفق على ابنه أن يتحمل تبعات ما وصلت إليه أحوال مصر، وقد
وصفها "مبارك" بنفسه في حديث مع أحد أمراء السعودية عندما سُئل عنها قائلاً: "أنه لا يريد أن يورِّث ابنه خرابة".

هو لم يقل متى أصبحت مصر
خرابة، وهل كانت كذلك قبله؟! 

 وماذا فعل فيها إذاً لمدة ثلاثين سنة حكم فيها وتحكَّم، مع العلم أن ثلاثين سنة هي نفس الفترة التي استغرقها صعود الصين، والتي استغرقها غياب الاتحاد السوفييتي في زمن بريجنيف، وعودة روسيا المتعافية في زمن بوتين، وغير ذلك من نماذج ما يمكن أن يقع في أي بلد يحكمه أي قدر من الرُشد طوال ثلاثين سنة، ولك أن تلقي نظرة إلى ما فعله الآخرون من الهند إلى المكسيك إلى البرازيل .
 
الغطاء انكشف عن فداحة ما جرى قبل 25
يناير ،2011 فقد ظهر أن مصر أصبحت بلدا يعيش على الدين الداخلي الذي راح يزحف إلى الخط الأحمر عند رقم تريليون جنيه مصري - ودين خارجي قارب الأربعين مليار دولار، لكن الحقائق كانت تائهة غائبة في الأوهام، أو ألعاب خداع النظر.

ظهر - كذلك - أن قطاعات بأسرها في الاقتصاد المصري كانت خارج الإطار العام، لا أحد يعرف عنها شيئا محددا، ومنها وربما أهمها قطاع البترول والغاز، فقد كان التصرف في هذا القطاع مخصصا وفي أيدي قلة محدودة تقرر في كل شيء، من الإنتاج إلى الاستهلاك، ومن اتفاقيات التصدير إلى تحصيل العوائد، والقطاع يتصرف كما يُطلب منه، وهو في النهاية يورد فائضاً ما عنده للميزانية العامة حسب ما يقدَّر أو حسب ما يتيسر، ويجري الإعلان عن تصدير كميات، ثم يحدث استيراد لتعويض التصدير بأسعار أعلى، والمحصلة أن هذا القطاع أصبح مدينا وليس دائنا، ثم اكتشفنا أن التصدير تم بخديعة أن مصر لديها فوائض هائلة من موارد الطاقة، ثم إن الحقائق محجوبة حتى ظهر في النتيجة النهائية أن مصر بلد مستورد للطاقة .

وكانت الذريعة الأخيرة للنظام أنه حقق الاستقرار، ثم تبين أن ما
حدث - إذا افترضنا حسن النية - أن مصر في ذلك الزمن وُضعت داخل ثلاجة للتبريد العميق، ثم اكتشفنا بعد كسر باب الثلاجة في 25 يناير أن الذي أغلقها نسي توصيلها بالكهرباء، فإذا ما فيها يفسد ويتلف بالعفن . . وأن الثلاجة تحولت إلى مخزن ضاع على البلد ما فيه، إذا كان ذلك ممكنا لثلاثين سنة .

مسيرة السنوات الثلاث الماضية كانت شارحة لأشياء كثيرة، مواقف سياسية مضطربة في الداخل وانكشاف لجماعات دينية أرادت خطف وتأميم السياسة ومواقف لقوى إقليمية لعبت أدوارا لمصلحة
الكبار . ما هي من وجهة نظركم المقدمات التي أفضت إلى الخروج الشعبي الكبير في 30 يونيو؟

- بعد 25 يناير، ولأن السياسة في مصر كانت قد تحللت بعد ذوبان الجمود، ولأن الحقائق التي تكشَّفت كانت مخيفة، ولأن العالم الخارجي أصبح متداخلا ومتدخلا في كل بقعة، ولأن قضية الثورة في حد ذاتها أصبحت مطروحة
للبحث - فإن "حالة الثورة" طرحت السؤال ولم تطرح الجواب، وكانت الحالة الثورية مكشوفة، وعندما وقفت القوات المسلحة إلى جانب شعبها، فإنها حققت في نفس الوقت انتقالاً سلمياً وهادئاً للشرعية .

على قمة القوات المسلحة كان هناك المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي رأسه المشير طنطاوي، وكان لدى هذا المجلس كثير من حسن النية، وقليل من الخبرة السياسية وهذا طبيعي، وقد احتار فيما يفعل، وتكاثرت عليه الضغوط، وأهمها ضغوط الحقائق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكانت المشكلة أن هذا المجلس لم يكن مؤهلا للحكم، ولم يكن يرغب أن يشاركه في السلطة طرف آخر، لأنه من ناحية لا يعرف الأطراف ولا يعرف الوزن
الحقيقي لكل منهم، ثم إن ما رآه معهم دفعه إلى الشك في الجميع، وفي نفس الوقت فهو من ناحيته تجنب مسؤولية أي قرار - بأي حل .

وقد طمأن نفسه بأنه مجرد وسيط للانتقال، لا يرسم سياسة، ولا يبحث عن حلول، لأن ذلك اختصاص الوضع الدائم القادم وليس
اختصاصه .
وفي نفس الوقت فإن ذلك المجلس العسكري تصور أنه إذا كان غير
مسؤول عن الحل، فمن الأفضل له أن يتجنب الحسم في أي قضية، أو مواجهة أي طرف، لأنه لا يريد المشاكل من أي ناحية أو مع أي طرف أيا كان، وهو ليس مكلفا بالحل على أي حال، والأفضل ترك أمره لمن يجيء بعده .

وفي هذه الظروف
من "اللاقرار" و"اللاحسم" - لمدة عام ونصف العام - فإن الساحة العامة في مصر أصبحت خلاء يتحرك فيه من يشاء كما يشاء، وفي هذا الخلاء وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم، بدعوى أن لديهم الحل بل إنهم هم أنفسهم ذلك الحل .

وقصة الإخوان المسلمين في الإمساك بالسلطة معروفة، وأولها قرار دولي يخص المنطقة بمشروع للشرق الأوسط الكبير يقوده الأتراك، هدفه عندهم استعادة حلم خلافة موالية للغرب، تستعمل وتوظِّف قوة الدين،
متمثلة - كما يتصورون - في الإسلام السياسي، لإغراق المنطقة في خضم يتوه الناس فيه بحثا عن ملكوت السماء حتى يخلص ملك الأرض للهيمنة، ويلتحق الشرق الأوسط الكبير بحلف الأطلنطي عمقاً خلفياً أو ذيلاً. 

وكذلك فإن مشاكل البلد زادت تعقيدا، فقد بدا أن سلطتهم موجَّهة للتمكين من السلطة وليست لتحقيق أهداف الثورة، وأخذ التردي في كل مجال حده وزاد.

وتخبَّط حكم الإخوان بين ادعاء الدين وتطويع الدولة، وبين الإمساك بمفاتيح الحكم، وبين مصالح
الناس - وبين مطالب المجتمع وأوهام الجماعة - وبين القوى السياسية الدولية والإقليمية . وتعقدت مشاكل مصر أكثر وأكثر فقد أضيفت مخلفات زمن مبارك، إلى آثار الفترة الانتقالية للمجلس العسكري، إلى فشل تجربة الإخوان . وأصبح الوضع في جملته شديد الخطر داخل مصر وحولها . وجاء 30 يونيو 2013 تصحيحاً وإنقاذاً.

عبء ما بعد 30 يونيو، حمل تبعات جمة للمؤسسة
العسكرية  كيف تقرأ تلك المسؤولية التاريخية وتوقيتها ومخاطرها ؟
 
- عندما جرى وضع خريطة الطريق بعد 30 يونيو، كان جدول التوقيتات متلاحقاً، ولكن الحركة ذاتها في إطار هذه التوقيتات كانت بطيئة، لأن انتظار المواقيت المحددة لا يكون أياماً تحصى، وفواصل يجلس الناس في انتظارها حتى تجيء
وتذهب . هكذا فإن ستة شهور من الانتظار، وإحصاء الأيام يمضي، والجهد أقل من التحدي، والفكر لا يسابق الميعاد - زادت الأثقال واتسع الرتق على الراتق كما يقولون في الأمثال العربية.

واستحكمت التعقيدات لأن العبء أضيفت إليه أعباء فوقها أعباء،
وفوق الأعباء أعباء، كل ذلك و"حالة الثورة" مستمرة، والطوفان يتدفق، وزاد عليه أن الإخوان المسلمين - لسوء الحظ - أثبتوا داخل الحكم - وخارج الحكم أكثر - أن وعدهم ووعيدهم أسوأ مما كان في زمن مبارك . كان هو يقول "أنا أو حكم الإخوان" . ثم جاؤوا هم يقولون "نحن أو الإرهاب دما ونارا في سيناء وفي كل مكان وأي مكان في مصر".

قُل لي من يقبل أو يرضى بأن يتحمل المسؤولية في مثل هذه
الظروف؟ ترك المشاكل الكبرى من دون مواجهة حقيقية ضاعف من خطرها، وذلك متفق مع قوانين الجاذبية .

وفي الواقع فإن الحمولات الثقيلة زادت في تسارع النزول - بأكثرمما يمكن أن تمسك به الرافعات . والآن من يقبل أن يمد يده ليمنع الارتطام بالقاع؟! من يقبل بالمسؤولية؟ وأهم من ذلك من يقدر؟ ثم ما العمل، خصوصاً أن خارطة الطريق وصلت إلى النقطة الحرجة، وهي نقطة الرئاسة. 
 
كان ذلك هو السؤال المعلق على مصر كلها، والرد على السؤال جاء بواقع تؤدي إليه حقائق الأشياء، لأن اليد التي تمتد للصد غالبا سوف تمتد من القوات المسلحة، خصوصا إذا كانت هي التي
حمت "حالة الثورة" مرتين، ولو أن غيرها كان قادرا لمَّا طرأت الحاجة إليها، فقد فُرِضَ عليها أن تتقدم للحماية لأنها كانت وحدها القادرة على مسؤوليتها، على أن المعضلة هي كيف يتم ذلك دون أن يؤسس لحكم عسكري، وهذه قضية كبرى هي الآن موضع اهتمام عالمي، تنشغل به أرقى الجامعات وبالذات جامعات أمريكا، عنوانها: هل تقدر يد تمتد من المؤسسة العسكرية أن تمهِّد لانتقال ديمقراطي تصل به "حالة الثورة" إلى مسارات أمل - أمل في إنجاز سياسي، اقتصادي، اجتماعي، ثقافي - يقترب من أبواب المستقبل، ويطرق هذه الأبواب ويدخل؟
 
كيف؟ . . وبمقتضى أي شروط؟ ومتى نصل إلى باب المستقبل أو أبواب المستقبل نطرقها وندخل على جسور قادرة وواصلة؟
 
 
 مما أشرت إليه عن "باب المستقبل" "والجسور القادرة"، ما  المحددات التي تضعها للرئيس القادم؟


              يتبع.....                                                                                    

 

                                
وينزل نبأ الأستاذ محمد حسنين هيكل في الحلقة الثانية من حواره عن "الثورة الحقيقية والأمل" من سماء الأفكار والرؤى إلى أرض الواقع وتضاريس الطريق والأسئلة . . قدمت إليه عرض حال البلد الذي طالما تحدث عنه، وطرح حلولا منذ سنوات قلبت عليه المواجع . مثل مجلس أمناء الدولة والدستور . . ماذا كان تحت السطح قبل انكشاف الغطاء في 25 يناير، وهل نجح المجلس الأعلى للقوات المسلحة في انتقال سلمي وهادئ للشرعية، وكيف تحولت الساحة العامة قبل وبعد 30 يونيو إلى خلاء ومهدت لوصول الإخوان . وكيف يفسر الأستاذ عبارته التي أطلقها قبل شهور عن عبد الفتاح السيسي أنه الرئيس الضرورة، وكيف يمكن للرئيس القادم تجميع طاقات الأمة وشتات التيارات حتى تكون قوى الشعب حاضرة وقت الضرورة، وما هي مستويات الرئيس القادم . وكيف يرى التقارب المصري الروسي في تلك المرحة الدقيقة وانعكاساته على علاقات القاهرة وواشنطن . . وإلى الحوار: - See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/de735d14-aba9-4a8d-8e45-f7d94a1b3f9d#sthash.gduvPhDq.dpuf

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire