samedi 15 mars 2014

محمد حسنين هيكل في الجزء الثالث من حواره : شروط نجاح المرحلة القادمة، السيسي مرشح الضرورة و محاذير حمدين صباحي



 ضاع منا وقت طويل شردنا فيه عن الخطوط الاستراتيجية الرئيسية للأمن القومي المصري، ونسينا فيها مصالح أغلبية الشعب ومطالبه



قوى الشباب لابد أن ينفسح لها المجال واسعا، لكي تعرف، وتشارك، وتتحمس لمستقبل هي من يملكه، لأنها هي من سوف يسكنه، وحتى إذا جرى بعض الجموح فتلك طبائع الشباب، إضافة إلى أنه جزء من التجربة يتعلم فيها بالصواب والخطأ
 

 
ثلاثة أجيال ضاعت، لأن رجال "مبارك" أمسكوا بالقمة ثلاثين سنة، لا يتزحزحون عن مواقعهم، ولا يفسحون طريقا لغيرهم




 ظهرت أغلبية هائلة تدعو للفريق السيسي وتطالب به، وإن قلق البعض من مظاهر مهرجان لا يحتاجه الرجل ولا يسمح به واقع الحال ولا مناخ الأزمة ولا جلال الثورة، وأعترف أنني كنت ضمن هؤلاء القلقين، وكان ظني أن المبالغة أول أعداء الحقيقة

 
إنني ضمن هؤلاء الذين يتمنون أن يجد "صباحي" إيقاعه الصحيح في حملته الانتخابية، وقد بدا لي عندما أعلن اعتزامه ترشيح نفسه أن إعلانه جاء بميزان ذهب، لكن المشكلة هي: هل يستطيع أن يحتفظ بميزان الذهب عندما تقترب العملية الانتخابية من مرحلتها الحاسمة؟




جربنا أشكالا متنوعة للسلطة والحكم الانتقالي حتى وصلنا إلي المراحل الأخيرة من فترة انتقالية حاسمة . . مما أشرت إليه عن "باب المستقبل" "والجسور القادرة"، ما المحددات التي تضعها للرئيس القادم؟


- ملابسات هذه القضية استدعت مبكرا جميع الاجتهادات، وأتذكر أنني طرحت في عديد من المناسبات، حتى قبل سقوط نظام مبارك، فكرة مجلس لأمناء الدولة والدستور تكون القوات المسلحة حاضرة فيه، ويكون هذا المجلس جسرا للانتقال الآمن من مبارك إلى ما بعده، وكنت أقدر أن هذا الاقتراح يصعب قبوله من نظام غارق في وهم السلطة وقتها، لأن قبوله يكلف الأشياء فوق طباعها، إلى أن حل يوم 25 يناير وتوالت مشاهده الرائعة، ثم تكشف ما تكشف من غياب الفكرة وغياب القيادة وغياب الجسر أو الجسور إلى المستقبل، ثم ظهرت أعراض "حالة الثورة" دون تشخيص لطبيعتها. وتوالت المراحل: المجلس العسكري - ثمالإخوان - ثم خارطة الطريق.

وفي أجواء امتزجت فيها الحماسة والإحباط، واليقين مع الشك، والتناقض بين الموجود والمفقود، والمطلوب والواقع، والتشوق إلى الأمن، والتخوف من التسلط - شاع في البلد تيار غضب يرفض كل شيء . رفض الحاضر في ظاهره مفهوم لأنه لأول وهلة نوع من تسليم إرادة الشعب لسياق الحوادث

كانت أمامنا ثلاثة احتمالات :
هناك الممكن - إذا اتسعت دائرة الاختيار المدعوم بالإرادة . وهناك المحتمل - إذا كان يستحق أن نبحث عنه . 
وهناك غير المحتمل - إما لأنه ليس موجودا، أو أن بذرته لم تنبت بعد . وفي هذه الحالة، فإن الرفض على طول الخط يفقد الأمل فرصته، لأن الرافضين يطلبون مثالا ليس متاحا في الواقع، على الأقل هذه الساعة، وعلى الأقل في هذه الأحوال .

 وصلنا إلى النقطة الأخيرة من خريطة الطريق، وجاء وقت اختيار الرئيس الذي يتحتم عليه أن يكون مسؤولا على الأقل عن وضع  مصر  على طريق آمن ومأمون له شروط.

- أن يتصدى لمشكلة أمن مضطرب، ومصاعب تشق على الناس في حياة كل يوم  وأن يعالج ضرورات عاجلة أهمها: أزمة المياه - وأزمة الغذاء - وأزمة الطاقة، لأنه لا يمكن الوصول إلى أبواب المستقبل دون اطمئنان إلى أن هناك رياً للأرض والناس، وغذاء ضرورياً لحياتهم، وطاقة لحركة كل يوم .

- وأن يواجه مشكلة التنمية الشاملة والعدل الاجتماعي، مع وجود ارتباط بين المشكلتين
وأن يتأكد من مجموعة ضمانات :
  أن حدود الوطن شرقا وغربا مُصانة -
 -أن الوطن يعمل بكامل قواه وقدراته
  -أن مصر في مكانها اللائق في الإقليم - وفي العالم

  وأن طريق المستقبل بكل خبئ على الطريق إليه مؤدٍ إلى السلامة

كيف حكمت على المسؤولية الملقاة (أو التي تلوح في الأفق) على عاتق رجل ينتمي للمؤسسة العسكرية لرئاسة مصر في تلك المرحلة؟

- أعترف لك أنني من حرصٍ على مستقبل الوطن، ورغم ابتعاد عن الساحة السياسية اخترته لنفسي لأسباب أولها حقائق السنين - أطلت التفكير في كل ما سمعت، وكنت أفضل اتِّقاء المحاذير على طريق المستقبل - بخشية أن تبدو المقدمة إليه من داخل القوات المسلحة - نوعا من التدخل العسكري، على أن الأمر تبدى لي أكثر وأخطر، فالأمر ثقة، والأمر قدرة، والأمر مصداقية، والظروف مُلحَّة ودقيقة، ومزالقها زحام على الساحة، ومع ذلك فقد جربت اختبار كل ما تبدَّى لي وحتى ما خطر على خيالي .

لكن مسألة الثقة - مسألة القدرة - مسألة المصداقية كانت جميعها تشغل بالي وتُلِح عليَّ .

أعترف لك أنه خطر ببالي وسط الحيرة ما بين المحاذير والحقائق أن الرئاسة يصح إسنادها إلى واحد من الرجال الذين ظهرت أسماؤهم في الساحة وهم كُثر، رشحوا أنفسهم، أو رشحهم آخرون، وربما كان بينهم من يستحق - خطر ذلك ببالي رغم إدراكي أن المشاكل شديدة التعقيد، عصية على الحلول التقليدية، لأن "حالة الثورة" وصلت إلى ما يشبه حالة الحرب . واستعرضت الساحة بعرضها وتبدى لي أن التحدي أكبر من الساحة بالطول والعرض أيضاً .

في بداية التجربة الانتقالية بعد "مبارك" فكرت في مجلس رئاسي وظننت لبعض الوقت أن تلك تجربة موجودة في بلد من أكثر بلدان العالم تقدما، وهو "سويسرا" . مجلس للرئاسة في سويسرا يتناوب أعضاؤه كل ستة شهور على الرئاسة، وتصدر قراراته باسمهم جميعا . لكني تحسبت أن ذلك قد ينجح في سويسرا، وهي البلد الذي أتقن صناعة الساعات لأنه يعرف قيمة الزمن، ولكن شكي كبير أنه يصلح لبلد من العالم الثالث مثل "مصر" . وزاد من شكوكي أنني تابعت بعض أنشطة ما سُمي ب "الدبلوماسية الشعبية" التي يُقال لنا إنها تسافر داعية لمصر، وشارحة لأحوالها، لكني فوجئت بأن هذه الوفود - تضم أسماء كبيرة - تعاركت في الخارج، وعلى مرأى ومسمع من مضيفيها .

عرفت مثلا في بلد عربي أن بعض المسافرين من وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية اختلفوا وتعاركوا على الغُرف، وعلى السيارات، وعلى المقابلات، وعلى من يتحدث باسم وفدهم، ومن يتصدر الصور، ومن يحتل مقاعد الشرف في الاستقبالات . وبعض ما سمعته مزعج وبعضه مهين، وهو في النهاية لا يبشر باحتمال أن تتكون جماعة متسقة متوافقة يمكن أن يضمها مجلس رئاسي تنتقل إليه شرعية الدولة، في أوقات شديدة الحرج وشديدة الخطر . وعلى أي حال فقد فات الآن وقت الكلام عن مجلس للرئاسة وتجاوزته الظروف، ونحن الآن في ظل دستور معتمد، وفي انتظار رئيس منتخب ومجلس شعب أو مجلس نواب منتخب .

وكيف رأيت إقدام المشير السيسي على تحمل مسؤوليات أكبر - من واقع قراءتكم للمشهد - ومن واقع معرفتكم به عن قرب؟

- عندما اتجهت الأنظار إلى الفريق عبد الفتاح السيسي باعتبار شعبيته المؤكدة، وقد عززتها التجارب التي مرت على مصر في ثلاث سنوات من "حالة الثورة" ودائرتها التي لا تكتمل - أحسست بالفعل أن الرجل عزوف عن طلب الرئاسة، راضيا عما تحمَّل به، بالإضافة إلى أنه بالفعل أفصح مرات عن بعض هواجسه:

  1-لا يريد أن يقع أحد - في الداخل أو الإقليم أو الخارج - في خطأ أن 30 يونيو كان انقلاباً عسكرياً
 
  2- لا يريد لقطاعات الشباب في الداخل أن يتصوروا أنه "حكم عسكر"

   3- لا يريد لأحد أن يشك أنه - أو أن القوات المسلحة كلها - في وارد انتهاز فرصة، وهو يعرف أن العالم يتغير، وأن العصور اختلفت، وأكثر من ذلك فهو رجل يسيء إليه أن يظن أحد أن رئاسة الدولة مكافأة مستحقة على خدمات أداها، وهو أول من يفرق بين جسامة المسؤولية، ومكافأة الخدمة وكان قوله على حسب ما سمعت: "أنه يريد للبلد أن يختار بحرية، وأن يجد بين المدنيين من يحمل أمانة المسؤولية، وهو واثق من التزام القوات المسلحة بتسليم الشرعية إلى من يختاره الشعب من دون إكراه، أو تدخل خارجي وضغط" .

 ويضيف عليه ما مؤداه: "أن هناك كثيرين من أفراد الشعب وقواه يرونه أمامهم، ويحسنون الظن به ويرشحونه، لكنه يرجوهم ألا يزيدوا من الإلحاح عليه، وأن يجدوا غيره . وأعرف أنه سُئل مرة إذا كان يمكن لأي اختيار حر أن يجري خارج الواقع، أو خارج الممكن، أو خارج المحتمل، وكان رده: دعونا نبحث

هل تسمح لي أن أضيف شيئا، أنني كنت شخصيا أوافق الفريق السيسي على ما بلغني من أسباب تردده، فقد كنت أفهم منطقه وأتفهمه، وكنت أكثر من ذلك أعرف حجم الضغوط في الإقليم وفي الخارج وأتحسب لها. هل أعترف لك بشيء؟ . في لحظة من اللحظات رحت أفكر في غيره، وخطر ببالي اسم الرئيس المؤقت عدلي منصور . ماذا لو ترشَّح؟ هذا رجل قانون متميز وصل إلى رئاسة المحكمة الدستورية العليا في مصر . وقد دعته الظروف إلى رئاسة الدولة مؤقتا، وقَبِلَ المسؤولية وتحمَّلها بنزاهة قاضٍ عادل، يعرف القانون ويلتزم به .

أكثر من ذلك فإنني قابلته مرة في أيامه المبكرة في بيت الرئاسة، وقد بدا أمامي متحفظا، وإن بدا أيضا مستقيما مع نفسه ومع الظروف، ثم التقيت به بعد ذلك وأدهشني إلى أي مدى تمرس مع التجربة، وتجلى فكره وانطلق خطابه . إلى جانب ذلك فهو نموذج مشرِّف لقيمة الحراك الإنساني إذا ما تفتحت الفرص الطبيعية أمامه ليظهر قدراته الكامنة . كانت معرفة الناس به في حدود عمله لا يتجاوزه، لكنه عندما وُضع موضع المسؤولية، تفتَّح استعداده وتجلى، وفي ظرف ستة شهور استطاع تأكيد ما هو كامن داخله من قدرة واستعداد 

وكنت أسأل نفسي أحيانا وأنا أتابع أداءه . . كم من القادرين المحتملين خسرتهم مصر حين ضاعت عليهم فرصة الحِراك أيام مبارك؟ كم من الناس حجبهم وجود رجال مبارك على قمة السلطة، رابضين في مقدمة الصف يعوقون حركة من بعدهم طوال ثلاثين سنة كاملة؟ ثلاثة أجيال من الرجال والنساء القادرين تعطلوا وحُجبوا . . ثلاثة أجيال ضاعت، لأن رجال "مبارك" أمسكوا بالقمة ثلاثين سنة، لا يتزحزحون عن مواقعهم، ولا يفسحون طريقا لغيرهم

وبالفعل فإنني وبعد أن خطر ببالي ما خطر - ناقشت فكرة ترشح المستشار عدلي منصور مع عدد من الأصدقاء المهتمين بالشأن العام، والذين تلح عليهم هموم الوطن وضرورات مستقبله، وكان رأي كثيرين منهم يزكي الرجل ويشهد له . ثم عرفت أن الرجل بنفسه - وبأمانة ونزاهة قاضٍ - قال إنه لا يستطيع أن يترشح لمانع قانوني يفرض عليه أن يرد نفسه عن الترشح . وكان أكثر ما لفت نظري أن الرجل تصرَّف بصدق مع النفس ومع الناس، لكن إحساسي بالمأزق الذي يواجه البلد زاد بنفس المقدار وربما أكثر .

لماذا ظهر تعبير "مرشح الضرورة" من الأستاذ هيكل في توقيت كان الناس يريدون تجنيب الرجل تبعات المنصب خوفاً على المؤسسة العسكرية؟

- وهكذا فإننا عُدنا من جديد إلى عقدة العقد في هذه اللحظة . كل وطني في هذا البلد الآن يطلب: حرية وعيشا وحياة عامرة بالكرامة والأمل . لكن الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كما تعرف، والمطلوب يحتاج إلى شبه معجزة . . شبه معجزة ممكنة إذا توافرت لها الشروط، عُبئت الإمكانيات، واستدعيت كوامن الإرادة القادرة على الأمل . في هذا الإطار طُرح اسم "عبد الفتاح السيسي"، وقلت إنه "مرشح ضرورة"، ليس له أن يحجب غيره، وإن كانت مقتضيات الحقيقة تشير إليه . بعضهم عتب عليَّ أن استعملت وصف "مرشح الضرورة"، بمقولة أنه رجل وراءه شعبية جارفة تدفع به للرئاسة، ولم أر وجها للتناقض بين الطلبين: شرط الضرورة - وشرط الشعبية الجارفة، ليس هناك تناقض بل العكس هناك فرصة، وأن يكون مرشح الضرورة هو نفسه مرشح الاختيار، فذلك أدعى إلى الطمأنينينة
 

ويوما بعد يوم بدأت الحقائق تفرض دواعيها العملية، وكذلك دواعيها الشعبية، فقد ظهرت أغلبية هائلة تدعو للرجل وتطالب به، وإن قلق البعض - وأنا واحد منهم - من مظاهر مهرجان لا يحتاجه الرجل ولا يسمح به واقع الحال ولا مناخ الأزمة ولا جلال الثورة، وأعترف أنني كنت ضمن هؤلاء القلقين، وكان ظني أن المبالغة أول أعداء الحقيقة، وأعرف للإنصاف أنه في بعض اللحظات فكر أن يطلب إلى البوليس الحربي إزالة اللافتات ورفع الصور المعلقة على الطرق والكباري، لكنه خشى أن يسبب ذلك حرجاً لبعض المتحمسين والمتطوعين، وفضَّل أن يبعث إليهم جميعا برسالة تهيب بهم ألا يسيئوا إليه وهم يتصورون أنهم يؤدون له خدمة - هو في الواقع لا يحتاجها . 

 ما هي الضمانات التي يحتاج أي نظام قادم لتقديمها من أجل أن يحكم من دون منغصات مثلما حدث في فترة حكم محمد مرسي؟

  - أحوال البلد خطيرة، ولا يملك أحد منا أن يفكر في المستقبل بالتشاؤم ولكن بالحساب، وأن يواجهه بالتفاؤل الحذِر والمحسوب . هناك وطن وشعب، وهناك مستقبل وهناك طريق، والمشاكل أكثر مما يتصور معظم الناس، والشعب المصري قادر على مسؤولية الأمل، وليس لديه بديل آخر غير الأمل . لقد ضاع منا وقت طويل  شردنا فيه عن الخطوط الاستراتيجية الرئيسية للأمن القومي المصري، ونسينا فيها مصالح أغلبية الشعب ومطالبه، وحان الوقت لنتصرف على نحو جاد، لأن التراخي إزاء المسؤوليات أو التخبط والقصور في الأداء لم يعد متاحا لنا . هناك نظام جديد يوشك أن يقوم بفكر جديد، وبرؤية واضحة وإرادة مصممة، ونحن لا نملك غير ذلك . واعتقادي أن هذا النظام القادم تلزمه ثلاثة ضمانات مُلِحَّة :

الأولى: رؤية واضحة محددة لشكل المستقبل على المدى القريب والتحرك نحوها، ثم خطة قادرة على صنع المستقبل المرجو والمطلوب - والاستعداد لها .

والثانية: أن قوى الشباب في مصر لابد أن ينفسح لها المجال واسعا، لكي تعرف، وتشارك، وتتحمس لمستقبل هي من يملكه، لأنها هي من سوف يسكنه، وحتى إذا جرى بعض الجموح فتلك طبائع الشباب، إضافة إلى أنه جزء من التجربة يتعلم فيها بالصواب والخطأ .

والثالثة: أنه سواء في مرحلة الرؤية أو مرحلة الخطة، فإن البلد يحتاج إلى نوع من "التجمع الوطني من أجل المستقبل" .
لا أظن أن المشير السيسي إذا وقع انتخابه سوف يشكِّل حزبا سياسيا، وإذا قيل أن التفاف الجماهير حوله يكفيه، فلابد أن نتذكر أن التجارب السابقة علَّمت الجميع أن جماهير العالم العربي كله كانت ضمن أهم العوامل التي حمت النظام الثوري في مصر، ننسى أحياناً أن قوة أي نظام في مصر تكمن في تأثيره خارج حدوده ووضعه في إقليمه، والأوضاع حول مصر الآن تمر بمرحلة حرجة تحتاج فيه إلى من يسندها، وهي لسوء الحظ لم تعد تطلب ذلك من مصر، لأن أربعين سنة مما سُمِّي بمصر أولا ومصر أخيرا ومصر وحدها في سلام مع "إسرائيل" وعلاقة خاصة مع "أمريكا" - بددت الكثير من قواعدها المساندة خارج حدودها السياسية .

وظني وهذه فكرة أتمنى لو أنها تُطرح للمناقشة، أن الرئيس القادم - أيا كان - وبعد انتخابه، وبعد إتمام الانتخابات البرلمانية لاحقا - قد يجد مناسبا ولازما أن يدعو إلى نوع من التجمع، تمثَّل فيه الأحزاب السياسية الشرعية، وينضم إليه عدد من رموز التيارات الرئيسية وضمنها التيار الإسلامي البريء من ممارسة الإرهاب .
جبهة وطنية - تجمُّع لا تذوب فيه القوى في بوتقة تنظيم واحد، وإنما يبقى كل طرف بما يمثله، بحيث تكون السياسات وليس التشريعات، والتوجهات العامة وليس القوانين ذاتها وإنما الدواعي المنشئة للقوانين على أساس الدستور - هي شاغل هذا التجمع، بحيث يكون هناك اتفاق تتعدد مصادره على سياسات وتوجهات تصد عن البلد خطر استمرار ما نراه الآن من منازعات ومشاحنات واستقطابات شديدة الحِدة، حتى تكون قوى الشعب حاضرة عند المنبع، وقادرة عند المصب .
كل الأمم يمكنها - في ظروف الحرب وفي ظروف الأزمات - أن تتجمع في نوع من الجبهة الوطنية، لمواجهة المخاطر والمصائب . التشريع سوف يبقى بالطبع في مجلس النواب أو مجلس الشعب . ولكن السياسات عند المنبع يمكن بحثها، ومناقشتها مبكرا، والاتفاق عليها في جبهة وطنية تتعدد فيها الآراء، ويكون القرار في النهاية توافقا يدفع ولا يعطل، ويشجع الحوار ولا يصادره . وفي كل الأحوال فإن مصر لا تستطيع أن تواصل تمزيق نفسها على العشاء كل مساء على شاشات الفضائيات، ولا تستطيع أن تعذِّب نفسها على الإفطار كل صباح مع صفحات الجرائد، وإنما لابد من صيغة، تحفظ التعددية اللازمة للديمقراطية، وتستدعي التوافق الضروري للسلامة، وتقبل شراكة شباب من حقه أن يعرف، ومن حقه أن يعترض، دون أن تكون مواجهة المعارضة بالأمن، وإنما بالتواصل بين الحاضر والمستقبل .
 

 أعلم موقفكم من شخص حمدين صباحي وتقديركم لتاريخه، لكن إعلانه الترشح ربما ينطوي على كثير من النقاط الخلافية في تلك المرحلة . كيف تقرأ قراره؟
 
- دخول الأستاذ حمدين صباحي إلى حلبة السباق الرئاسي ظاهرة طبيعية، وهي أيضا ظاهرة طيبة، والأسباب كثيرة: هذا رجل يملك مواهب سياسية تجلت منذ أن كان ناشطاً طلابياً في الجامعة، ثم نمت هذه المواهب حتى أصبح جاهزا للعمل السياسي العام . هذا رجل لديه تجربة سياسية، أخذته إلى مواقع معتبرة في الساحة العامة . وهذا رجل جرب معركة رئاسية حصل فيها بالفعل على
ملايين الأصوات  . وهذا رجل تتحلَّق حوله جماعات من الشباب متحمسة . وهذا رجل لديه طموح والطموح حق لكل همة.

    مُضافا إلى هذه الأسباب أن دخوله إلى الحلبة صحي، وإلا أصبحت ساحة الانتخابات خالية من روح المنافسة، وهي مناخ الاختيار

لكن لدى حمدين مشاكل، ولديه محاذير :

المشاكل :

 أنه بعيد عن الساحة العالمية -1

 2- أنه  لم يتولَ مهام في التنفيذ أو التخطيط تثري معارف النظرية العامة

أما المحاذير فهي :

  1- هذه اللحظة الصعبة والمعقدة قد لا تكون لحظته .
2- أنه مازال في سن شباب، (حتى وإن كان شبابا نسبيا)، وفي مقدوره أن ينتظر لحظته

  وكان أن الرجل فكر طويلا وانتظر كثيرا ثم حزم أمره ودخل، وأظن أنه حسنا فعل، وإن كنت أشفق عليه من محددات على حملته الانتخابية تفرضها الحقائق وليس المجاملات، وأمامه سؤال عصي وهو: - كيف يستطيع تقديم نفسه، من دون تجاوز في حق منافسه، خصوصا إذا كان هذا المنافس يملك أرصدة قبول هائلة لدى جماهير الناخبين؟ . إنني ضمن هؤلاء الذين يتمنون أن يجد حمدين صباحي إيقاعه الصحيح في حملته الانتخابية، وقد بدا لي عندما أعلن اعتزامه ترشيح نفسه أن إعلانه جاء بميزان ذهب، لكن المشكلة هي: هل يستطيع أن يحتفظ بميزان الذهب عندما تقترب العملية الانتخابية من مرحلتها الحاسمة؟ . هل يستطيع أن يضبط كل الأعصاب؟
أعصابه هو يقدر عليها، وأما أعصاب غيره من جماعته، فهل تقدر؟ . المشكلة الرئيسية هنا أن قوى المستقبل على تنوع أطيافها تجمعها شراكة أمل، لكن الحماسة المشحونة قد تأخذ الناس إلى أبعد مما تقتضيه أسس هذه الشراكة.

يتبع.... 
 







أعلم موقفكم من شخص حمدين صباحي وتقديركم لتاريخه، لكن إعلانه الترشح ربما ينطوي على كثير من النقاط الخلافية في تلك المرحلة . كيف تقرأ قراره؟
- دخول الأستاذ حمدين صباحي إلى حلبة السباق الرئاسي ظاهرة طبيعية، وهي أيضا ظاهرة طيبة، والأسباب كثيرة: هذا رجل يملك مواهب سياسية تجلت منذ أن كان ناشطاً طلابياً في الجامعة، ثم نمت هذه المواهب حتى أصبح جاهزا للعمل السياسي العام . هذا رجل لديه تجربة سياسية، أخذته إلى مواقع معتبرة في الساحة العامة . وهذا رجل جرب معركة رئاسية حصل فيها بالفعل على ملايين الأصوات . وهذا رجل تتحلَّق حوله جماعات من الشباب متحمسة . وهذا رجل لديه طموح - والطموح حق لكل همة . مُضافا إلى هذه الأسباب أن دخوله إلى الحلبة صحي، وإلا أصبحت ساحة الانتخابات خالية من روح المنافسة، وهي مناخ الاختيار .
لكن لدى حمدين مشاكل، ولديه محاذير .
المشاكل:
1- أنه بعيد عن الساحة العالمية .
2- أنه لم يتولَ مهام في التنفيذ أو التخطيط تثري معارف النظرية العامة .
أما المحاذير فهي:
أولا: هذه اللحظة الصعبة والمعقدة قد لا تكون لحظته . وثانيا: أنه مازال في سن شباب، (حتى وإن كان شبابا نسبيا)، وفي مقدوره أن ينتظر لحظته .
وكان أن الرجل فكر طويلا وانتظر كثيرا ثم حزم أمره ودخل، وأظن أنه حسنا فعل، وإن كنت أشفق عليه من محددات على حملته الانتخابية تفرضها الحقائق وليس المجاملات، وأمامه سؤال عصي وهو: - كيف يستطيع تقديم نفسه، من دون تجاوز في حق منافسه، خصوصا إذا كان هذا المنافس يملك أرصدة قبول هائلة لدى جماهير الناخبين؟ . إنني ضمن هؤلاء الذين يتمنون أن يجد حمدين صباحي إيقاعه الصحيح في حملته الانتخابية، وقد بدا لي عندما أعلن اعتزامه ترشيح نفسه أن إعلانه جاء بميزان ذهب، لكن المشكلة هي: هل يستطيع أن يحتفظ بميزان الذهب عندما تقترب العملية الانتخابية من مرحلتها الحاسمة؟ . هل يستطيع أن يضبط كل الأعصاب؟!
أعصابه هو يقدر عليها، وأما أعصاب غيره من جماعته، فهل تقدر؟ . المشكلة الرئيسية هنا أن قوى المستقبل على تنوع أطيافها تجمعها شراكة أمل، لكن الحماسة المشحونة قد تأخذ الناس إلى أبعد مما تقتضيه أسس هذه الشراكة . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/de735d14-aba9-4a8d-8e45-f7d94a1b3f9d#sthash.OYF3s0yx.dpuf

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire