dimanche 22 avril 2012

طارق ذياب ... المتألق


- بقلم : عبد الحليم المسعودي

(1)

أذكر أنني عندما كنت أنتسب لأسرة  تحرير  جريدة "الصحافة "التابعة لجريدة لابراس في نهاية تسعينات القرن الماضي قرر مدير تحريرها آن ذاك السيد محمد البلاجي إجراء حوارات كبرى مع شخصيات وطنية و عربية كان فيما أذكر من بينها محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية و الشاعر الكبير محمود درويش , ثم و لا أدري ما سبب دعوة اللاعب الكروي السابق السّيد طارق ذياب الذي يشرف اليوم على قطاع الرياضة بوصفه وزيرا  نهضويا في حكومة الترويكا ... و أذكر أن كل المحريرين قد حظروا ذلك الحوار لعل من بينهم زملائي  حسن بن عثمان و جمال العرفاوي و أبو السعود الحميدي و ناجي البغوري و عمر الغدامسي و غيرهم كثيرون. و أذكر أن أهم شيء قاله طارق ذياب في ذلك الحوار أن على الدولة أن تعتني بالرياضة و خاصة كرة القدم و أن توفر على نفسها تلك الأموال التي تمنحها للمسرح و السينما و الموسيقى و غيرها من الأنشطة الثقافية ... و أذكر أنه قال في جملة ما قال أنه لو كانت لديه سلطة سياسية لألغى الثقافة لأنها إهدار للمال و الوقت و إفساد للشباب , و أن الرّياضة كفيلة وحدها بإنقاذ الشباب و تربيته التربية الحسنة ... لم أصدق وقتها ما سمعته على لسان هذا الكروي التونسي في نظرته للأشياء و قلت في  نفسي لعل ذلك يعود إلى الهذر اللغوي المحمول على الشغف و الانتصار لكرة القدم و الرياضة بشكل عام , و على كل حال فلاعب كروي مشهور مثله غير مطالب بأن يكون له فهم للثقافة أو للسينما أو للمسرح أو للأدب أو الفن التشكيلي أو  إدراكه للدور الواجب من الدولة خاصة حين تكون في بلد عالم – ثالثي  عنايتها بالثقافة
(2)


 و قلت في نفسي  " فاقد الشيء لا يعطيه " , و طارق ذياب قد تنقصه الثقافة اللازمة لإدراك الأشياء و لعله من ذلك الصنف الذي لم تترك له كرة القدم و متاهاتها الكسبية  و لا سوقها المعطر بالبترودولار الخليجي الوقت الكافي لكي ينمّي ثقافته و هو الذي اكتفى فقط بالتفكير بقدميه . تلك القدمان السحريتان اللتان استحوذتا على كامل دماغه و ذهنه بحيث لا مجال أمامه إلا أن يرى الأمور بهذه الطريقة و على هذه الشاكلة ... و تذكرت أن مارادونا المنفلت عن كل تقييم و رغم إنحداره من طبقة الفقراء و المحرومين في الأرجنتين استطاع أن يبلور لنفسه ثقافة مكنته من اتخاذ مواقف تقدمية دفاعا على روح التحرر الثوري في أمريكا اللاتينية و الوقوف إلى جانب الفقراء بروحه و شهرته و ماله الخاص  , و كيف أنه كان شوكة لاذعة لا تنكسر في خاصرة ما يسمّونه  بإمبريالية الفيفا . و أذكر أن محمود درويش حين كتب عنه نصه الشهير لم يكن مخطئا فبإمكان أن يتحول لاعب كرة قدم إلى أيقونة ثورية تمنح الأمل لملايين المحرومين على هذه الكرة , الكرة الأرضية  ... و تذكرت اللاعب الفرنسي لاعب أولمبيك مرسيليا  إريك كونتونا و هو عصامي التكوين كيف أصبح الآن بعد أن هاجر الملاعب علامة من علامات الثقافة في فرنسا تمثيلا و إخراجا و مواقف سياسية مشرّفة تخرج لاعب كرة القدم من النجومية المبتذلة و الجهل المدقع

(3)
و بين مارادونا و إريك كونتونا من جهة و طارق ذياب من جهة أخرى سنوات ضوئية فاصلة  من الفهم و الإدراك و الثقافة . فنجمنا الوطني الذي كانا نفتخر به لم نره يوما باستثناء إطلالته العبقرية في شاشات قطر-  و على رأسها الجزيرة الرياضية - محللا و معلقا بلهجة خليجية محتشمة حاضرا في فضاء عمومي أو في ندوة فكرية أو في مظاهرة شعبية أو في اعتصام أو في قافلة خيرية أو في عرض مسرحي أو في قاعة سينما أو في مكتبة عمومية أو في ملعب من ملاعب تونس الأعماق الفقيرة , أو في تيليتون , أو في سياق مبادرة اجتماعية أو ثقافية أو حتى رياضية لصالح العموم من التونسيين الكادحة و لم نسمع بطارق ذياب أنه دخل السجن أو تعرض إلى المضايقات أو التعنيف أو المتابعة , كما لم نسمع و لم نقرأ إسم طارق ذياب و لا إمضائه في إحدى العرائض التي تساند قضية ما من قضايا بني جلدته الرازحين تحت أقدام التهميش و الخوف و الظلم و الملاحقات بل بالعكس كانت تجارة طارق ذياب رابحة و صفقاته ناجحة .

و لا غرابة أن طارق ذياب و بإشارة ربانية قطرية نهضوية يصبح وزيرا للرياضة في تونس ما بعد الثورة , و لم يكتف بذلك بل يتسلل إلى الجموع في باب سويقة إلتزاما بتعاليم حزبه فيشتم المعارضة  الرابضة حسب رأيه في الفنادق تترصد زلات الحكومة "  - و يعلم الله كم ناضل طارق ذياب طوال أيام الثورة في إحدى الفنادق في جنائن البحيرة – و يكيل للصحافة و الإعلام  و يتوعدها ب" العصا لمن عصا " مدافعا على وزير داخليته علي العريض الذي دشن مجزرة يوم 09 أفريل الماضي و يواصل تمريناته على قمع الناس كما هو الحال مؤخرا  ( السبت  14 أفريل 2012 ) في حي الملاحة بميناء رادس حين أطلق البوليس المنتدب حديثا لترويع الناس من شيوخ و عجائز و نساء و رضع مرة أخرى اللاكريموجان و الضرب بالعصي و خلع الأبواب على الناس و الشتم المقذع فقط لأن أبنائهم تظاهروا مطالبين بالكرامة و التشغيل  . و أنني على يقين أن عبارة " العصا لمن عصا " هذه التي يردّدها طارق ذياب هي نفس العبارة التي يتلقفها من أفواه أسياده في حزب حركة النهضة اللذين لا تتجاوز فكرهم الإنتقامي تلك الإستعارة الرعوية الشهيرة ( التي إبتدعها ميشال فوكو ) في النظر إلى السلطة و الدولة على أساس جحافل من الأغنام يقودها راع بعصاه يتلقى الوحي القطري و الإلهام الوهابي .

(4)

الأن يزايد العبقري المتألق طارق ذياب على الآخرين  في  حب تونس و يحتكر هذا الحب  لنفسه  و يتهم المعارضة  التي ينعتها بالهزيلة بأنها لا تحب تونس و أنها تلهث وراء الكراسي  و يمتدح بالمقابل مزايا أسياده في حزب حركة النهضة  بالرشاد و الحكمة و قضاء 15 سنة سجنا ... هكذا يرى طارق ذياب  الأشياء بكل هذه البساطة و السطحية , و هكذا يرى خائنا كل من لا يتفق مع حزب النهضة . و إذا كانت أهم مزية يراها في أسياده النهضويين هي بقاؤهم في السّجن 15 عاما , فمن البديهي أن نسأل طارق ذياب ماذا كان يفعل طوال هذه السنوات ؟ . و أعتقد إن مثل هذا الخطاب الشّعبوي "الفراجي  "الذي يحمله طارق ذياب يؤكد مرّة أخرى طبيعة عقلية الغنيمة التي يتحرك في سياقها البعض من أمثاله اللذين يجهلون أبجديات التاريخ و الجغرافيا . و أن اللذين يتوعدهم طارق ذياب بالعصا هم أنفسهم اللذين قاموا بالثورة التي أوصلته بإشارة ربانية لكرسي الوزارة , و منهم أيضا من ارتعش قلبه في نهاية السّبعينات و هو يشاهد طارق ذياب المتألق في مونديال الأرجنتين مع تميم الحزامي و غميض و الصادق ساسي شهر عتوقة , وأن هؤلاء الذين يتوعدهم بالعصا  هم أنفسهم اللذين أعتصرت قلوبهم من الظلم و الاستبداد و الحرمان في سنوات الجمر .


(5)

و يكفي لطارق ذياب بوصفه وزيرا بفعل معجزة ربانية حين يشتم المعارضة الهزيلة أن " يقرأ في الشبكة الإجتماعية ( الفايس بوك ) ردا بليغا على تصريحاته الصبيانية     
  لن ألومك عن جهلك بتاريخ المعارضة، بل أردتك أن تعرف أنه عندما كنت صانع ألعاب الكرة سنة    1978 ، كانت المعارضة صانعة ثورة و خرجت للشّارع و واجهت الرصاص الحيّ و سقط شهداء , و كالعادة كان الخروج على الحاكم حرام لذا قام الإتّجاه الإسلامي (حركة النّهضة) بمساندة الحكومة في جريدة "المعرفة" التابعة لها و التي كانت تطبع في مطابع حزب الدّستور

من نكبات الدهر أن يصبح من مستواه "كتاب+  4 "وزيرا في الألفية الثالثة و يتطاول
على المناضلين و الحقوقيين ...و المعارضة و يتهمها بالتعامل مع إسرائيل و صور ماكين في أعناق الحكومة ما زالت شاهدة


(6)



بقي شيء أخير أقوله للسيد الوزير  المتألق الأستاذ طارق ذياب : هل بإمكانك أن تترجل في الشارع التونسي لتدرك كم يحبك الناس ؟ هل بإمكانك و أنت وزيرا للرياضة في كامل تراب الجمهورية أن تقف موقفا من رياضة سرية في الجنوب التونسي يمارسها أمراء الخليج في صيد طائر الحبارى الذاهب إلى الانقراض ؟ 


بقلم : عبد الحليم المسعودي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire