dimanche 19 février 2012

"! من الشمال الغربي، حاشاك"

محمد علي اليوسفي


إذا احتجت إلى شغالة بسعر زهيد عليك بعين دراهم
!

التونسي الذي كان يصف المتحدّر من الشمال الغربي بأنه "جبري" ومن جماعة 08 وقد يضيف: " حاشا المحلّ!" إذا ذكر الجندوبي؛ هو نفسه التونسي الذي ركض هذه الأيام لمساعدة سكان الشمال الغربي في محنتهم الثلجية، معترفا بحقيقتين: جمال المنطقة وتهميشها مع ساكنيها!
فما الذي حدث؟ هل تغير المواطن التونسي؟ هل بدأ يتغير؟ أترى غيّرته الثورة أم بدأت تغيره سلسلة الكوارث؟
من ثقافة التونسي التي تكرست عبر عقود من الزمن أيضا، أن الجمال لا يمكن أن يكون إلا للتصدير! فقد استمعنا مرات عديدة إلى أن جمال تلك المنطقة يستوجب استثمارات سياحية! وليكن! أنا موافق! لكن هاتوا لنا بنية تحتية لسياحة داخلية هي الأبقى والأضمن. أما الثلج فهو ليس مراد السائح الأجنبي المستعد لبيعه وشحنه في البواخر لصحارى العرب.
سأتحدث هنا عن بعض معاناة الشمال الغربي، غير المادية. وأرجو ألا يفهم من هذا الكلام نعرة جهوية ما. فكل تونس لها شمالها الغربي. وكما لكل شمال جنوب، فإن لكل جنوب شماله، تماما كما أن لكل تونس صحراءها وقمحها وملحها وزيتونها
.
بدأ الشمال الغربي استقلاله التونسي تحت مظلة ساحلية في العهدين الأول والثاني. أذكر أن نوابنا كانوا مستوردين، وأذكر أن أول معمل، هو معمل السكر بباجة، أحدث بلبلة في المدينة بسبب استيراد الأيدي العاملة من الساحل، وأذكر أن باجة ليس فيها من المثقفين إلا من سكت أو هاجر ( شخصيا تلافاني الشمال والشمال الغربي – مع بنزرت- أمنيا؟ باستثاء مرة يتيمة في باجة، بعد أن نُقل اللقاء من قاعة لا تفتح إلا لمثقفي الحزب أوللمتلونين حسب المرحلة، إلى مذبح كنيسة قديمة، وكان أجمل! فيما استدعيت إلى أغلب المدن التونسية) نعم أهم المباني هي تلك التي تركتها فرنسا
.
ليست مشكلة الميز الجهوي ( على وزن الميز العنصري!) مقتصرة على ظلم السلطة واستبدادها فقط بل تحولت، وبفضل السلطة طبعا، إلى ثقافة جماهيرية تتغذى من السلطة وعيا شعوريا وتستذكر ثقافتها التمييزية بشكل لاواع. هذه أمثلة تشمل معظم فئات الشعب، ولا فرق بين مثقف ورئيس وبائع سمك

حكايات في الدماغ
- اعتذرَ لي مدير تحرير صحيفة تونسية عريقة، من المفترض أنه صديق أيضا، عندما لعن الشمال الغربي وأهله، أمامي، وعندما ذكرته بأنني من هناك، من أرض الماء والقمح، أرض سلّته اليومية وحليب ابنه، سعى إلى رشوتي باستثنائي: يعني أراد الإساءة لي مرتين. الأخ مثقف
!
- وهذا أخ تونسي غير مثقف كثيرا، إنه موظف في ديوانة المطار، عندما عرف أن زوجتي فلسطينية ، قال لها ما لقيتش ما تتوزج إلا من باجة؟


- وهذا سائق حافلة صغيرة ينقلني، مع مجموعة كتّاب عرب، من تونس العاصمة إلى ملتقى أدبي في المنستير، ولأنه ثرثار أكثر من حلاق، فقد تبرع بتثقيفهم سياحيا حول المناطق التونسية وما يميزها. سألني صديقي الكاتب السوري هامسا غامزا: "من أي منطقة أنت؟" قلت له: "من الشمال الغربي." فسأله: "ما رأيك بالشمال الغربي؟" وهطلت ثقافة سائق ساحلي على الشمال الغربي بأقسى من ثلوج الرب، فيما الضيوف يقهقهون... لن أكمل الحكاية لأنها لاتخص مقالنا الآن. الأخ السائق غير مثقف إلا بالثقافة السائدة
.
في بنزرت؛ دخلت سوق السمك. فوجئت ببائع السمك يستخدم تعبير"حاشا المحل" متحدثا عن أهل جندوبة
!
- في الفيسبوك، معركة بين شاعرين، أحدهما ذكّر الثاني بأنه من جندوبة... (البقية في الفيسبوك؛ اللهم انقذنا من ألسنة الشعراء
!)
 من القهر أيضا ستجد في أعماق كل مواطن من الكاف، جزائريًّا مختبئا. وفي عدة مناسبات برهن بعض أهل الكاف على ذلك، ليس في مقابلات كرة القدم والتلويح بأعلام الجزائر فقط، وليس بسبب الثلج وحده
.

زين العابدين بن علي في زيارة إلى جندوبة يتفقد مكانا مجهزا بالحواسيب والإنترنت: " آبببْ! اسمعْ يا سيدي! جندوبة وفيها انترنت!" هذه الجملة سمعتها شخصيا، وبأذنيَّ هاتين
!
وأخيرا، أسألك أنت يا صديقي، يا من تقرأ هذه السطور: ألم يسبق لك أن فكرت بطريقة التمييز التونسية هذه؟ أنا شخصيا فعلت
!
مقابل الظلم تشكّلَ نوع من " الجبن" في المنطقة، فالخوف من السلطة المركزية أشد مما هو في الساحل وفي الجنوب؟ وحتى عندما تقاد بعض المشاريع من قبل محليين، فإن السيطرة تتم بأشخاص  يكونون الأكثر ولاء والأشد سقوطا والأكثر جبنا. ويكون هدفهم محاربة ابن الجهة أولا.

هذا الكلام ينطبق على نظرة التوانسة – سكان العاصمة- للساحل، ونظرة غير الصفاقسية لصفاقس؛ صفاقس العاصمة الثانية التي أنهكت طيلة عقود لتكف عن أن تكون عاصمة، وينطبق على الجنوب والوسط: إذن كل تونس كانت - ولا تزال - تعيد انتاج ثقافة التمييز الجهوي (على وزن التمييز العنصري) لتطيل عمر الاستبداد الذي كان يعي جيدا شعار: فرّقْ تسُدْ
.
لكن، مهلا، مرة أخرى، هل هي سياسة فرق تسد وحدها؟ لمَ لا نعترف أنها سياسة التعصب لمنشأ السلطة التي فيما حاولت محاربة القبليّة والعروشية، أسست مجد قبيلتها: غلبة بني تغلب على حساب قوت بقية القبائل؟

في مناطق أخرى يتم تبادل الاتهامات والتنابز ثنائيا ربما، لكن الجميع يتفق ان الشمال الغربي مصدر "الجبورة والخادمات والمومسات والتخلف"؟ الخادمات والمومسات صنعهن الفقر أم الطبع؟ هات اقنع المواطن العادي والمثقف التونسي والمثقف التونسي الصغير أن لكل مكان تنوعه السكاني والأخلاقي!
...
 مازلت حين أعود من باجة، أشاهد مواسير الماء الاسمنتية ترافقني باتجاه العاصمة فيما تكون
شاحنات البذور والفواكه والحيوانات المنذورة للمسالخ،  قد توزعت بحمولاتها نحو وجهات متعددة بينها العاصمة أيضا
.
على لسان كل هؤلاء، ينطق الشمال الغربي "من جنبيْه " ليقول: " شكرا للثورة التونسية أولا، وشكرا للثلج التونسي ثانيا
"!


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire